حرب تجارية أم لعبة شطرنج؟ استثناءات ترامب تفضح هشاشة الموقف الأمريكي

في خضم التصعيد المتواصل للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تكشف المؤشرات الأخيرة عن تباين واضح بين التصريحات الرسمية الأمريكية والواقع على الأرض. وبينما تؤكد إدارة الرئيس دونالد ترامب أنها تخوض المعركة من موقع قوة، فإن القرارات الأخيرة المتعلقة بالتعرفة الجمركية على الواردات الصينية وخاصة استثناء بعض فئات الإلكترونيات تلقي بظلال من الشك على هذا الادعاء.
البيت الأبيض يروّج لسياسات حازمة تهدف إلى إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية، وتحفيز التصنيع المحلي، ومواجهة ما يصفه بـ”الممارسات التجارية غير العادلة” من جانب بكين. إلا أن المراقبين يشيرون إلى بوادر ارتباك وتراجع في تطبيق هذه السياسات، مما يثير تساؤلات حول جدوى النهج الحالي وقدرته على تحقيق أهدافه المعلنة.
في سياق التقرير:
ووفقًا لموقع بوليتيكو، فرغم ادعاءات البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة تمتلك زمام المبادرة في حربها التجارية المتصاعدة مع الصين، فإن الاستثناءات التي تم إقرارها مؤخرًا على بعض الإلكترونيات الاستهلاكية من التعرفة الجمركية التي بلغت 145% تشير إلى العكس تمامًا.
وعلى الرغم من تأكيد الإدارة أن هذه الاستثناءات لا تُعد تراجعًا عن السياسة العامة، فإن الحقائق تشير إلى مرونة غير معتادة من الجانب الأمريكي. فقد تم الإبقاء على تعرفة بنسبة 20% على تلك المنتجات، مع فتح الباب أمام فرض رسوم إضافية مستقبلًا على بعض المكونات الإلكترونية، ما يعكس موقفًا حذرًا ومتردّدًا أكثر من كونه حازمًا.
التخبط السياسي والضغوط الاقتصادية
هذه التنازلات، بحسب بعض حلفاء البيت الأبيض، لا تعكس إلا موقعًا تفاوضيًا ضعيفًا، خاصة أمام دولة كالصين التي خططت لهذه المواجهة منذ سنوات. المشكلة الأساسية تكمن في أن التعرفات الجديدة تهدف لنقل التصنيع إلى الأراضي الأمريكية، لكنها في الوقت ذاته تُثقل كاهل المصنّعين الأمريكيين الذين لا يزالون معتمدين على المكونات الصينية.
وقال مسؤول سابق في إدارة ترامب:
“شي جين بينغ لن يتراجع. إذا فعل، فسيخسر ثقة الحزب الشيوعي.”
ثم أضاف محذرًا: “الوضع سيتحول إلى قبيح جدًا.”
الصين مستعدة.. والهجوم المضاد بدأ
ما يزيد الأمور تعقيدًا هو سرعة رد بكين بعد إعلان “تعرفات يوم التحرير” التي أطلقها ترامب. الرد الصيني كان شاملاً، يشمل قيودًا على المعادن الحيوية، وتحقيقات وعقوبات ضد شركات أمريكية، مما يظهر استعدادًا طويل الأمد لمواجهة بهذا الحجم.
البيت الأبيض يبرر: استراتيجية مرنة وليست تراجعًا
المتحدث باسم البيت الأبيض، كوش ديساي، حاول الدفاع عن هذه الخطوات، مؤكدًا أن الرئيس ينتهج سياسة “استراتيجية دقيقة” لمواجهة الممارسات التجارية غير العادلة للصين، في الوقت ذاته يسعى لجذب الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا داخل الولايات المتحدة.
وقال ديساي:
“من لا يتحدث مباشرة مع الرئيس أو فريقه التجاري، فهو لا يعرف شيئًا.”
خلافات داخلية وانزعاج من الاستثناءات
رغم الدفاع العلني، ظهرت علامات التوتر داخل دائرة ترامب المقربة، حيث عبّر بعضهم عن استيائهم من استثناء الإلكترونيات، متوقعين أن تكون الرسوم المقبلة على أشباه الموصلات أقل بكثير من التعرفة المرتفعة التي فرضت على الصين.
أحد المقربين من البيت الأبيض قال:
“يجب أن تكون السياسات حاسمة ومتسقة. تعرفة 25% لن تُحدث فرقًا.”
بكين تراهن على الوقت: من سيرمش أولًا؟
الصين تدرك جيدًا أن ترامب حساس لتقلبات الأسواق المالية الناتجة عن التعرفات، ولذلك تراهن على أن واشنطن هي من ستطلب الحوار أولاً.
ريك ووترز، أحد كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين، قال:
“الصينيون لا ينوون تقديم تنازلات. هم بانتظار من سيستسلم أولًا. شي قد يقبل مكالمة من ترامب، لكنه لن يبادر ولن يدفع الثمن.”
ترامب: لا نلوم الصين.. ولكن لن نُبادر
رغم تصريحاته الحادة، لم يتوان ترامب عن الإشادة بالرئيس الصيني خلال الأيام الماضية، واصفًا إياه بأنه “قائد ذكي جدًا لدولة عظيمة”. غير أن الإدارة أكدت أن الرئيس “لن يكون من يمد غصن الزيتون.”
استراتيجية مزدوجة: الضغط على الصين وتوسيع الشراكات الآسيوية
في موازاة ذلك، تسعى الإدارة الأمريكية إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع دول آسيوية كفيتنام، واليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، في محاولة لإيجاد بدائل للتجارة مع الصين.
وفي خطوة استباقية، يقوم الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارات إلى دول في جنوب شرق آسيا، لتقديم الصين كـ”شريك موثوق” في مقابل ما يعتبره “حمائية أمريكية”.
التحول الصناعي قيد التنفيذ.. ولكن الطريق طويل
رغم التحديات، بدأت بعض الشركات بالفعل في تحويل استثماراتها إلى داخل أمريكا. شركة Nvidia أعلنت عن استثمار بقيمة 500 مليون دولار لتصنيع حواسيب الذكاء الاصطناعي بالكامل في الولايات المتحدة. كما تبعتها استثمارات ضخمة من Apple وTSMC.
لكن هذا الانتقال لن يكتمل بين عشية وضحاها، ويحتاج إلى سنوات من التخطيط والبناء.
ترامب: “أنا لا أغيّر رأيي… لكني مرن”
بعد أشهر من الإصرار على عدم تقديم استثناءات، بدأ ترامب بتليين مواقفه تدريجيًا، ملمحًا إلى وجود بعض الإعفاءات “لأسباب واضحة”. وحتى أنه ألمح إلى إمكانية تقديم إعفاءات مؤقتة لشركات صناعة السيارات، وسط الضغوط المتزايدة.
وقال الرئيس من المكتب البيضاوي:
“أنا شخص مرن جدًا. لا أغير رأيي، ولكنني مرن.”