المدونةعربي وعالمي

تحولات BBC: حياد إعلامي مهدد بين ضغوط اليمين ومصالح الاقتصاد السياسي.

رقابة ذاتية وتحيز ممنهج يكشفان تآكل استقلالية BBC أمام النفوذ السياسي.

في خطوة فاجأت الكثيرين، طلبت هيئة الإذاعة البريطانية BBC من المذيع إيفان ديفيس إيقاف بث بودكاست شخصي كان يقدّمه خارج أوقات عمله، تناول فيه موضوع مضخات الحرارة بأسلوب ساخر ولطيف. رغم خلو المحتوى من توجهات سياسية مباشرة، رأت الإدارة أنه يلامس “الجدل العام” ويجب سحبه. يُطرح هنا سؤال جوهري: هل أصبحت BBC تمارس رقابة ذاتية خوفًا من غضب التيار اليميني؟ اللافت أن موادًا إعلامية تدعم ترامب لم تُقابل بنفس الحزم، ما يكشف عن ازدواجية في المعايير وخضوع متزايد للنفوذ السياسي والاقتصادي.

 مصالح الغاز تحوّل قضية تقنية إلى معركة أيديولوجية

كان يفترض أن يبقى النقاش حول مضخات الحرارة في نطاقه التقني، لكن مصالح شركات الغاز والغلايات دفعت بالقضية إلى واجهة الصراع السياسي. تقرير من DeSmog كشف عن تعاون قسم في BBC مع شركات وقود ومواصلات لإنتاج محتوى علاقات عامة، مما يثير الشكوك حول حيادية الهيئة. بذلك، تحوّلت BBC من منصة إعلامية إلى ناقل غير معلن لأجندات اقتصادية، مغيّبة النقاش العلمي لحساب التأثير السياسي.

“مراكز الفكر” اليمينية: هيمنة غير معلنة على المنصات الإعلامية

برامج BBC تستضيف بشكل متكرر مؤسسات يمينية تعرف بـ”مراكز الفكر”، معظمها ممول من مصادر مجهولة وتعمل من أماكن مثل شارع توفتون في لندن. ورغم أن سياسات BBC تنص على ضرورة الشفافية، لا يُفصح عن تمويل هذه الجهات. الأصوات اليسارية شبه غائبة، مما يؤدي إلى تضييق نطاق التمثيل الإعلامي وتكريس انحياز لصالح النخبة الاقتصادية، وهو ما يتعارض تمامًا مع مفهوم الحياد المهني.

 من نجم إلى منبوذ: بيتر أوبورن وثمن معارضة السلطة

قصة الصحفي بيتر أوبورن تعكس كيف يُقصى من يجرؤ على تحدي السردية الرسمية. بعد سنوات من التعاون مع BBC، نُبذ فجأة عقب تحقيقه حول أكاذيب حكومة جونسون وتواطؤ الإعلام. لم يتلقَ إنذارًا أو تفسيرًا، بل صمتٌ مطبق وانقطاع في التواصل. القصة تُبرز أن مساحة الرأي في الإعلام ليست مفتوحة للكفاءة، بل مشروطة بعدم المساس بالنظام القائم.

تشكيل الرأي العام: الإعلام خادم غير معلن للنخبة

تبرير BBC لمنح مساحة أكبر لأصوات اليمين يتمثل في أن هذه الأصوات “أكثر حضورًا” في الحياة العامة. لكن هذا الواقع صُنع عبر تمويل طويل الأمد وسيطرة النخبة الثرية. النتيجة: انزلاق المؤسسات الإعلامية نحو مواقف متطرفة تُعرض كـ”رأي عام سائد”، رغم أنها في الحقيقة صدى لهيمنة اقتصادية تعيد إنتاج ذاتها.

BBC وحكومة ستارمر: انسجام في إقصاء اليسار

أداء BBC يتناغم بشكل مقلق مع توجهات حكومة كير ستارمر التي لم تحرك ساكنًا لإعادة التوازن داخل الهيئة. مواقع قيادية ما زالت محتفظة بوجوه عُيّنت في عهد المحافظين، والنتيجة مناخ تحكمه الرقابة الذاتية. حتى الأعمال الجريئة من حين لآخر، مثل وثائقيات لويس ثيرو، تبقى استثناءً نادرًا لا يغيّر التيار العام المتجه نحو خطاب يميني مهيمن.

 BBC تهدد وجودها: نهاية محتملة لمؤسسة عريقة

إذا استمرت BBC في إرضاء أصحاب النفوذ والتخلي عن استقلالها، فإنها تمهّد بنفسها لزوالها. اليمين يهدد بإلغاء تمويلها، واليسار لم يعد يثق بها. وفي غياب دعم شعبي حقيقي، تضعف شرعية المؤسسة. النتيجة المتوقعة: تآكل الثقة، انحدار التأثير، وانتهاء الدور المحوري الذي لعبته في المشهد البريطاني لعقود.

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى