
رغم وعوده الصاخبة بإنهاء الحرب في أوكرانيا “خلال يوم واحد”، يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه الآن في سباق مع الزمن، مع اقتراب نهاية مهلة الـ100 يوم التي وضعها لتحقيق هدنة. ووفقًا لما أوردته The Economist، فإن الواقع على الأرض يُكذب الرؤية المبسطة التي روّج لها ترامب، إذ تجاهلت موسكو مقترح وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه كييف في مارس، وواصلت تصعيدها العسكري. وبينما يُحاول ترامب تحميل سلفه جو بايدن مسؤولية الحرب، يخشى أن يتحول الصراع إلى عبء سياسي يثقل كاهله، في ظل تراجع الدور الأمريكي وتعقّد المشهد الأوروبي، وغياب أي مؤشرات على حل دبلوماسي وشيك.
روسيا تتجاهل الدعوات وتزيد من الهجمات
في 11 مارس، قبلت أوكرانيا مقترح هدنة أمريكي لمدة 30 يومًا، لكن روسيا لم ترد بالمثل. بل كثّفت هجماتها، وكان أبرزها في 13 أبريل حين ضربت صواريخ روسية مدينة “سومي”، ما أسفر عن مقتل 34 مدنيًا، تلاها هجوم مماثل على كريفي ريه في 4 أبريل راح ضحيته 20 شخصًا.
احتضان للكرملين… وعداء لكييف؟
رغم الانتقادات الداخلية، استمر ترامب في تبنّي موقف متساهل تجاه روسيا. وصف هجوم سومي بأنه “خطأ فظيع”، بل ذهب أبعد من ذلك حين حمّل أوكرانيا مسؤولية غزوها! قائلاً: “لا تبدأ حربًا ضد دولة أكبر منك بـ20 مرة ثم تتوقع من الآخرين أن يزودوك بالصواريخ”.
لغة حادة بلا أفعال
بينما يحاول أنصاره تصويره كشخص “صارم مع روسيا”، تفتقر سياسات ترامب لأي خطوات عملية حقيقية. ورغم تجديده لبعض العقوبات، فإنها لم تُترجم إلى ضغط فعال. الدول الأوروبية تطالب بإجراءات إضافية، لكن حتى الآن لم تتحقق.

العصا لأوكرانيا والجَزَرة لروسيا
في مارس، أوقف ترامب مؤقتًا دعم الأسلحة والمعلومات لأوكرانيا، في خطوة وصفها أحد مستشاريه بـ”ضربة على الأنف”. نجحت هذه الخطوة في دفع أوكرانيا لقبول الهدنة، لكن روسيا لم تواجه أي ضغوط مماثلة. على العكس، جرى لقاء بين مسؤولين أمريكيين وروس في إسطنبول، وتبادل للأسرى، في أجواء توحي بالتقارب لا التصعيد.
حرب تجارية لا تشمل روسيا
ضمن سياسته الجديدة للتعريفات الجمركية، فرض ترامب رسومًا عالمية بنسبة 10%، شملت أوكرانيا واستثنت روسيا! وبرر ذلك بأن موسكو “تخضع أصلًا للعقوبات”، في قرار أثار انتقادات حادة من الحلفاء الأوروبيين.
تقلص الدعم الأمريكي لكييف
الدعم العسكري الذي أقرّه بايدن سابقًا شارف على النفاد، وترامب لم يوافق على أي حزم جديدة. الأسوأ، أن القوات والمعدات الأمريكية بدأت بالانسحاب من “رزيسزو” في بولندا، مركز الدعم الأساسي لأوكرانيا، تاركة المهمة للقوات الأوروبية.
رسائل غامضة من البنتاغون
وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسث، تغيّب عن اجتماع مجموعة دعم أوكرانيا في بروكسل، مكتفيًا بحضور عبر الفيديو. ويشير دبلوماسيون إلى أن بعض مساعدي ترامب يعبّرون عن “تعبهم” من الدعم الأوروبي لكييف، في ظل إدارة تتسم بالفوضى والتناقضات.
أوروبا تتحرك منفردة: خطة إعادة الطمأنة
في ظل غياب قيادة أمريكية واضحة، تسعى بريطانيا وفرنسا لإنشاء “قوة أوروبية لإعادة الطمأنة” في غرب أوكرانيا، للتدريب والدعم بعيدًا عن خطوط المواجهة. لكن روسيا تعارض هذا التحرك، فيما تتبنى أمريكا موقفًا غير واضح.
تنازلات كارثية تُناقش خلف الكواليس
نُقل عن ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى روسيا، أنه يرى الحل السريع في “منح روسيا أربع محافظات أوكرانية”، بما في ذلك أراضٍ لم تتمكن من السيطرة عليها بعد—a طرح مرفوض تمامًا من كييف وحلفائها الأوروبيين.
الخطة “ب”: أوروبا تموّل وتسليح أوكرانيا
في ظل هذا التراجع الأمريكي، يرى خبراء أن الخيار الوحيد هو أن تتولى أوروبا زمام المبادرة. المطلوب: تكثيف الدعم العسكري، ضخ الأموال في الصناعات الدفاعية الأوكرانية، استخدام الأصول الروسية المجمدة، والتفاوض مع ترامب لشراء أنظمة دفاع جوي أمريكية لصالح كييف.
خاتمة: معركة الدعم مستمرة
بينما تضغط روسيا في ساحة المعركة، تنسحب أمريكا من مشهد الدعم تدريجيًا. ويبدو أن العبء الآن بات على أوروبا بالكامل لتوفير الدعم العسكري والسياسي، كي تبقى أوكرانيا صامدة وتحافظ على حقها في التفاوض من موقع قوة.