الوكالات

 ترحيلات سرّية وتفاهمات غامضة: داخل اتفاق ترمب مع السلفادور لإيواء مهاجرين فنزويليين

التوترات الأميركية السلفادورية: ترحيلات مشبوهة وراء الأبواب المغلقة

في أبريل، وفي مشهد دقيق التنسيق بين البروتوكول والسياسة، ظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى جانب نظيره السلفادوري نجيب بوكيلة داخل المكتب البيضاوي، مما عكس انسجامًا سياسيًا وشراكة استراتيجية بين البلدين. هذه الصورة العلنية قدّمت انطباعًا عن توافق كامل في القضايا المشتركة. إلا أن ما خفي وراء هذا العرض الدبلوماسي كان مغايرًا تمامًا. ففي إطار تعزيز الإجراءات الأمنية، بدأت الولايات المتحدة في ترحيل المهاجرين، ومن بينهم فنزويليون، إلى منشآت احتجاز في السلفادور. وقد عبّر الرئيس السلفادوري عن استعداده لاستقبال المزيد من هؤلاء المرحلين، مبديا تأييده الكامل لهذه السياسة، رغم اعتراضات بعض الأصوات حول طبيعة هذه الإجراءات.

ومع ذلك، ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز من وثائق وشهادات تفيد بأن التفاهمات بين ترمب وبوكيلة تتسم بالغموض، حيث أشار الرئيس السلفادوري إلى مخاوف بشأن بعض المرحلين الذين لم تثبت إدانتهم أمام المحاكم. هذا يكشف عن تعقيدات خفية في الاتفاقات بين الجانبين، ويطرح تساؤلات حول نزاهة الإجراءات القانونية ومدى شفافية التعامل مع المهاجرين في ظل هذه التفاهمات

مطالبات أميركية مشبوهة وراء كواليس الاتفاق

بحسب مصادر مطلعة، كان الاتفاق بين إدارة ترمب وحكومة بوكيلة يقوم على أسس معينة: استقبال السلفادور فقط للأشخاص المدانين. لكن واشنطن أرسلت أفرادًا وُصفوا بأنهم أعضاء في عصابة “ترين دي أراگوا” الفنزويلية دون تقديم محاكمات واضحة أو مستندات قانونية تدعم هذه الادعاءات. رئيس السلفادور طالب بتوضيحات دقيقة حول هذه الاتهامات قبل الموافقة على استقبال هؤلاء الأشخاص، ما دفع إلى صراع داخلي بين المسؤولين الأميركيين لتوفير الأدلة الداعمة.

في هذه الصورة التي قدمها المكتب الصحفي الرئاسي في السلفادور، يتم مرافقة المهاجرين الفنزويليين إلى مركز احتجاز الإرهابيين في تيكولوكا، السلفادور، في 16 مارس/آذار.

التحايل القانوني: العودة إلى قانون الأعداء الأجانب

تم تنفيذ عمليات الترحيل بناءً على قانون “الأعداء الأجانب” الصادر في عام 1798، وهو قانون كان يُستخدم عادة خلال فترات الحرب، ويتيح للحكومة الأميركية ترحيل مواطني الدول المعادية دون الحاجة إلى محاكمات تقليدية. وقد أسفر تطبيق هذا القانون عن ارتباك تنظيمي، حيث تم ترحيل نساء إلى سجون للرجال عن طريق الخطأ، مما يكشف عن هشاشة الإجراءات القانونية المتبعة في تلك العملية.

خلال خطاب ألقاه في وزارة العدل في مارس/آذار، ألمح السيد ترامب إلى عمليات الترحيل الوشيكة. جلس السيد ميلر في الصف الأمامي من الحضور.

التحديات القانونية والضغط القضائي على البيت الأبيض

مع غياب التوثيق القانوني الكافي، بدأ الأهالي في التساؤل عن مصير ذويهم، في وقت كان فيه البيت الأبيض يخوض صراعًا قضائيًا في المحاكم الفدرالية. الناطقة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، تمسكت بموقف الإدارة القائل بأن للرئيس صلاحية كاملة في إبعاد “الإرهابيين الأجانب”، فيما كانت الأنظار تتوجه إلى المحكمة العليا التي كانت ستتخذ قرارًا حاسمًا بشأن صلاحيات الرئيس في هذه القضية.

كان ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، مهتمًا منذ فترة طويلة بقانون الأعداء الأجانب كوسيلة لتسريع عمليات الترحيل.

السجون خارج الرقابة: نموذج للحملة الأميركية ضد الهجرة

استخدمت إدارة ترمب سجن “الاحتجاز لمكافحة الإرهاب” في مدينة تيكولوكا السلفادورية كموقع لتنفيذ عمليات الترحيل بعيدًا عن الأنظار الداخلية، حيث كانت تلك المنشآت لا تخضع للمراجعة القضائية الأميركية، وهو ما سهل تنفيذ الحملة ضد المهاجرين خارج نطاق الرقابة الرسمية. كما أن حكومة بوكيلة كانت تفرض رسوماً على استقبال المهاجرين، والتي كانت تُستخدم لدعم نظام السجون في بلاده.

خاطب الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلي (وسط اليسار)، والرئيس ترامب، الصحفيين في المكتب البيضاوي هذا الشهر. سخر السيد بوكيلي من سؤال حول ما إذا كان سيُفرج عن مهاجر صرّح قاضٍ فيدرالي بأنه رُحّل خطأً إلى السلفادور.

مطالبات مثيرة للجدل: الصفقة مع العصابات السلفادورية

من جانب آخر، قدم الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلة مطالب مثيرة للجدل، حيث طلب ترحيل قادة عصابة “إم إس-13” السلفادورية المحتجزين في الولايات المتحدة، بدعوى أنهم يمثلون تهديدًا أمنيًا كبيرًا. إلا أن هذه المطالب أثارت جدلاً داخليًا في وزارة العدل الأميركية، خصوصًا في ظل الاتهامات التي وُجهت لحكومة بوكيلة بإبرام صفقات سرية مع هذه العصابات لتقليص معدلات الجريمة.

تم القبض على نيري خوسيه ألفارادو، وهو طالب جامعي سابق من ياراكوي، فنزويلا، والذي عبر الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك بشكل غير قانوني في أبريل 2024، من قبل عملاء دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية خارج مبنى شقته في منطقة دالاس في 4 فبراير.

الترحيل كأداة سياسية وأمنية

ترى إدارة ترمب أن عمليات الترحيل كانت أداة سياسية وأمنية فعالة لتحقيق هدفها الأبرز في محاربة الهجرة غير الشرعية، حيث تم ترحيل أفراد من العصابات مثل “إم إس-13” بموجب اتفاقات مشبوهة مع حكومة السلفادور. في الوقت نفسه، اعتبر البيت الأبيض أن هذه العمليات كانت “استثمارًا” سياسيًا يحقق هدف الردع عبر الإبقاء على هؤلاء المهاجمين خارج حدود الرقابة الأميركية.

بعد اعتقاله، استجوبه المحققون بشأن وشومه. أوضح السيد ألفارادو أن الوشم على ساقه، وهو شريط قوس قزح مصنوع من قطع أحجية، كان لأخيه المصاب بالتوحد.

القضايا القانونية: حرب الطعون والتحديات القضائية

بدأت المحاكم الفدرالية بتلقي طعون من الأفراد الذين تم ترحيلهم إلى السلفادور، حيث استمر الجدل حول مدى قانونية الإجراءات المتخذة من قبل إدارة ترمب. في هذا السياق، كان القاضي الفيدرالي جيمس بوزبرغ قد أصدر حكمًا بوقف ترحيل خمسة مهاجرين فنزويليين، بينما كانت الطائرات الأميركية قد غادرت بالفعل قبل صدور القرار، ما أثار شكوكًا بشأن تجاوب البيت الأبيض مع الأحكام القضائية.

مركز احتجاز الإرهابيين في تيكولوكا، السلفادور، في وقت سابق من هذا الشهر. يُحتجز فيه الآن الفنزويليون المرحَّلون من الولايات المتحدة.

استقبال مشبوه في سجن الإرهاب السلفادوري

عند وصول المرحّلين إلى السلفادور، تم نقلهم إلى “مركز مكافحة الإرهاب” في تيكولوكا، حيث كان يتم احتجازهم في ظروف قاسية وغير مراقبة. الصور التي نشرتها السلطات السلفادورية أظهرت أحد المعتقلين وهو يعاني من مشكلات صحية، مما أثار تساؤلات جديدة حول الظروف الإنسانية لهذه العمليات.

وجاء الأمر الشفهي الذي أصدره القاضي بواسبيرج بعد أن غادرت بالفعل طائرتان تقلان المرحلين إلى السلفادور في 15 مارس/آذار.

تصاعد الجدل: المحاكم العليا في مواجهة السيادة الأميركية

في ظل تصاعد الجدل داخل الكونغرس بشأن الدعم المالي الذي تلقته السلفادور مقابل هذه الاتفاقات، توجهت الأنظار إلى المحكمة العليا الأميركية التي أصدرت حكمًا أوليًا بضرورة منح المرحّلين فرصة للطعن في قرارات ترحيلهم. وقد يُحسم هذا الحكم ليحدد بشكل قاطع مستقبل الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترمب بشأن قانون “الأعداء الأجانب”.

ذهب إنريكي هيرنانديز، صاحب المخبز الذي وظّف السيد ألفارادو، إلى مكتب دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية (I.C.E.) لمعرفة مصير موظفه، لكنه لم يتلقَّ أي إجابات. فكّر في السفر إلى السلفادور للتفاوض على إطلاق سراحه.

رهائن السياسة والمصير الغامض

بينما تواصل إدارة ترمب الدفع قدمًا في سياستها الصارمة تجاه الهجرة، يظل مصير العديد من المهاجرين في مهب الريح، حيث يواجهون احتمالات الترحيل القسري بعيدًا عن العدالة الأميركية. في المقابل، تواصل عائلات هؤلاء المحاصرين في السلفادور سعيها لاستعادة حقوقهم القانونية، ما يجعل هذه القضية محورًا ساخنًا من الجدل السياسي والقانوني على الساحة الأميركية.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى