من “السلامة أولًا” إلى “فلسطين أولًا”: كير ستارمر يفاجئ الجميع بالاعتراف بدولة فلسطينية
كير ستارمر يفاجئ الجميع بالاعتراف بدولة فلسطينية

لم يكن أحد يتوقع أن تتخذ الحكومة البريطانية قرارًا حاسمًا في هذا التوقيت بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. فقد عرف عن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر حذره المفرط وحرصه على “عدم هز القارب”، خاصة في قضايا السياسة الخارجية. لكن ما حدث هذا الأسبوع شكّل تحوّلًا مفاجئًا في خطاب لندن تجاه القضية الفلسطينية، وحمل في طياته رسالة سياسية وإنسانية حازمة: “كفى انتظارًا، حان وقت الفعل”.
بهذا التوجه الجديد، تدخل بريطانيا مرحلة جديدة في تعاملها مع ملف الشرق الأوسط، وسط أزمة إنسانية متفاقمة في غزة، وضغوط داخلية وخارجية متصاعدة، وتحديات جيوسياسية لا تحتمل المواربة.
تحوّل مفاجئ في موقف ستارمر
قبل أسبوع فقط، كان كير ستارمر يرفض بشدة أي دعوات للاعتراف بدولة فلسطين، متمسكًا بنهج الحياد اللفظي والتمسك بـ”الوقت غير المناسب”. رغم ضغط أكثر من 250 نائبًا، بينهم وزراء من حكومته، ورغم استطلاعات الرأي التي أظهرت دعم أغلبية الشعب البريطاني للاعتراف بفلسطين، ظل ستارمر متمسكًا بموقفه المتحفظ. لم يكن أحد يتوقع أن يتغير هذا الموقف فجأة.
اجتماع طارئ.. وبيان غير متوقّع
عُقد اجتماع طارئ للحكومة البريطانية لمناقشة تطورات غزة، ولم يتوقع الحاضرون أكثر من بعض العبارات القوية للتنديد، مع ترك مساحة للمناورة الدبلوماسية. لكن البيان الختامي للّقاء قلب المعادلة: بريطانيا ستعترف بدولة فلسطين قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، ما لم تلتزم إسرائيل بوقف إطلاق النار، والسماح بوصول المساعدات، وبدء مسار جاد للسلام.
خطاب حاسم من داونينغ ستريت
بعد دقائق فقط من صدور البيان، ظهر كير ستارمر في مقر الحكومة للإعلان عن الموقف الجديد. قالها صريحة: لم يعد هناك مجال للتردد. إذا لم تتغير الوقائع على الأرض، فإن الاعتراف البريطاني بالدولة الفلسطينية سيصبح أمرًا واقعًا خلال أسابيع. كما طالب حماس بالإفراج عن الرهائن والتنحي، وبنيامين نتنياهو بالتحرك بجدية، وإلا فعليه أن يتحمل العواقب.
لامي في الأمم المتحدة: “كفى!”
في مشهد محسوب بدقة، ظهر وزير الخارجية ديفيد لامي بعد خطاب ستارمر بدقائق، على منبر الأمم المتحدة. وأعاد التأكيد على أن بريطانيا لم تعد تكتفي بالمناشدات. قال لامي إن التاريخ يفرض على بلاده التزامات أخلاقية، في ضوء دورها السابق في وعد بلفور، وإن الوقت قد حان لتصحيح هذا الخلل التاريخي. غادر القاعة وسط تصفيق نادر من ممثلي الدول الأعضاء.
استثمار ذكي للّقاء مع ترامب
التحول البريطاني لم يكن معزولًا عن السياق الدولي. فاليوم السابق شهد لقاءً حساسًا بين ستارمر والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اسكتلندا. وبذكاء سياسي، ترك ستارمر الساحة لترامب ليستعرض ذاته ويتباهى بإنجازات وهمية. لم يعترضه، لم يصحّح له، فقط تركه يتكلم، فالرئيس الأمريكي يعشق الانتباه، وستارمر وفّر له ذلك ليمرر ما هو أهم: تفاهم ضمني على أن غزة لم تعد تحتمل التأجيل.
توازن بين الواقعية والرمزية
رغم المفاجأة، لا يبدو أن ستارمر اتخذ قراره ارتجالًا. فبحسب المحيطين به، هو رجل يعمل وفق منطق قانوني صارم، يفضل تجهيز كل الملفات وإغلاق كل الثغرات قبل اتخاذ أي خطوة. الاعتراف بفلسطين ليس مجرد خطوة سياسية، بل لحظة رمزية وتحول تاريخي، لذا أصر ستارمر على ألا يتسرع فيها قبل أن تتهيأ الظروف السياسية والدبلوماسية المناسبة.
رسائل متعددة الاتجاهات
قرار بريطانيا حمل رسائل واضحة: إلى الداخل البريطاني، بأنه لا يمكن تجاهل مطالب الرأي العام وممثليه؛ إلى إسرائيل، بأن دعم الغرب ليس شيكًا على بياض؛ إلى العالم العربي، بأن هناك من لا يزال يتذكر المظالم التاريخية ويستعد لتصحيحها؛ وإلى الولايات المتحدة، بأن لندن مستعدة للتحرك في ملفات الشرق الأوسط حتى لو لم تبادر واشنطن.
اختبار صعب في انتظار التنفيذ
رغم أهمية الاعتراف، لا يزال التطبيق على الأرض رهينًا بتطورات كثيرة. فهل ستتجاوب اسرائيل مع هذا التهديد وهل ستحقق بريطانيا اختراقًا دبلوماسيًا أم مجرد إعلان رمزي؟ وكيف ستنعكس هذه الخطوة على العلاقات البريطانية الإسرائيلية؟ ثم ماذا عن الشق الفلسطيني؟ هل سيوحّد هذا القرار الصفوف أم يضيف إلى الانقسامات؟ كل هذه الأسئلة ستُختبر في الأسابيع القليلة المقبلة.