نخشي ما قد تفعله إسرائيل بنا إذا استولت على سفينتنا لكننا لن نتراجع

هذا هو آخر مقال أكتبه قبل أن يحدث أحد أمرين: إما أن تصل سفينتنا إلى غزة، أو تستولي عليها إسرائيل.
نأمل أن نصل في 9 أكتوبر، بعد أن أبحرنا منذ 27 سبتمبر. الأسبوع الماضي، اختطفت إسرائيل طاقم أسطول “الصمود العالمي” الأول في الليلة التي سبقت وصوله المفترض لتسليم المساعدات. ومن المرجّح أن إسرائيل ستسعى لاعتراض سفينتينا، “ألف مادلين” وسفن “تحالف أسطول الحرية”، في النقطة ذاتها تقريباً.
رغم كل ما حدث للأسطول الأول، واصلنا نحن الأسطول الثاني الإبحار. كنا بالقرب من قبرص، نستعد للمناوبة الليلية بينما يحوم طائرة مسيّرة مجهولة الهوية فوقنا بصوت مزعج، حين سمعنا أن إسرائيل استولت بشكل غير قانوني على السفينتين الرئيسيتين لـ”الصمود” في المياه الدولية. في الصباح التالي، بينما كنت أغسل مجموعة من الأطباق البلاستيكية، كنت أتابع هاتفي لأقرأ الأخبار: سفينة تلو الأخرى، استولت إسرائيل على باقي الأسطول.
لكن الخبر لم يُثنِ عزيمتنا، بل جعلنا أكثر إصراراً. لدينا مهام يجب إنجازها: ملاحة صعبة وسط أمواج متقلبة، وسبعة أشخاص يعيشون في مساحة محدودة، وأدوية وأغذية أطفال يجب أن تصل لمن هم بأمسّ الحاجة إليها.
مع مرور الأيام، أصبحت لي روتينات ثابتة في البحر: أنام من الحادية عشرة حتى الثانية فجراً، ثم أستيقظ لمناوبة الليل حتى الخامسة، وبعدها أضيف ساعتين من النوم المتقطع — خمس ساعات في المجموع، وهي أقصى ما يمكن وسط اضطراب الأمواج وضيق المكان. أنام على مرتبة نحيلة فوق أريكة في غرفة المعيشة الصغيرة، أرتدي ملابسي داخل كيس النوم بينما يُعدّ أحدهم القهوة على بعد متر واحد. التعايش مع ستة أشخاص آخرين على قارب طوله 40 قدماً يتطلب صبراً طويلاً، لكننا نتفاهم جيداً. الهدف المشترك، وخبرة البحارة، يمنحان الطاقم هدوءاً معدياً.
أما المساعدات المخزنة في مؤخرة القارب — أدوية وحليب أطفال — فستُسهم في إنقاذ أرواح إذا لم تختطفنا إسرائيل. سألني أحد الصحفيين الأسبوع الماضي: “هل تعتبرين هذه المهمة رمزية فقط، لأن إسرائيل ستمنعكم بالتأكيد؟” ربما يبدو الأمر كذلك من بعيد، لكن عندما تعيش أياماً في البحر محاطة بالمساعدات التي تعرف تماماً لمن هي موجهة، يصبح من المستحيل ألا تأمل في الوصول.
لكن المساعدات ليست الهدف النهائي للأسطول، تماماً كما أن القضية الفلسطينية ليست قضية إغاثة. إسرائيل تسألنا دوماً لماذا لا “ندعها” توصل المساعدات بنفسها، لكن كيف نثق في ذلك وهي تجوع الفلسطينيين عمداً منذ عامين؟ تسليمها المساعدات يعني الاعتراف بحقها في التحكم بالمياه الفلسطينية، وهذا ما نرفضه.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، ظهرت تفاصيل جديدة عن أسطول الصمود الأول: فقد تم نقل المشاركين قسراً إلى سجن كيتسعوت في صحراء النقب، وتمت معاملتهم كمهاجرين غير شرعيين رغم أن إسرائيل اختطفتهم من المياه الدولية. هناك، حُرموا من الماء والغذاء والدواء، وتعرضوا لمعاملة مهينة وعنف جسدي من قبل الجنود. يوم الإثنين، ورد أن 341 ناشطاً قد تم ترحيلهم، فيما لا يزال 138 محتجزين.
إنها ممارسات صادمة ومروعة — لكنها لا تقارن بما يتعرض له الفلسطينيون في السجن ذاته. فقد قُتل ثائر أبو عصب (38 عاماً) عام 2023 بعد أن رفض أن يخفض رأسه أمام الحراس، ولم يُتهم أي من الـ19 ضابطاً الذين تم التحقيق معهم. وقد وثّقت منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان التعذيب الواسع والاعتداءات الجنسية في هذا المعتقل.
نعم، الغضب الدولي تجاه ما حدث لنا مبرر، لكنه يثير سؤالاً مريراً: أين كان هذا الغضب طوال عقود من القمع الإسرائيلي للفلسطينيين؟
كل صباح، أنظر إلى اتساع البحر الأزرق، وإلى القمر الغارق في الأفق قبل بزوغ الفجر، وأتذكر أن حرية الملاحة التي نعيشها الآن هي تذكير بمدى أهمية ألا نعتبر هذه المهمة عملاً خيرياً. الفلسطينيون لا يملكون الحرية بعد، وحرياتنا نحن أيضاً ستظل منقوصة حتى ينالوها.
ولهذا نُبحر. الأمر بهذه البساطة.
ناويسي دولان كاتبة أيرلندية ومؤلفة روايتي «أوقات مثيرة» و«الثنائي السعيد»