روسيا تربك مبادرة ترامب للسلام في اوكرانيا بشرط الفيتو علي الضمانات الأمنية

شهدت الجهود الأمريكية الأخيرة لإحياء محادثات السلام بين موسكو وكييف انتكاسة جديدة، بعدما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن أي ترتيبات أمنية غربية لما بعد الحرب في أوكرانيا ستُعتبر “تدخلاً أجنبياً غير مقبول”. هذا التصعيد، الذي تزامن مع واحدة من أعنف موجات القصف الروسي في الأسابيع الأخيرة، يعكس تراجع الكرملين عن التفاهمات التي قيل إنه أبدى استعداداً لقبولها خلال القمة الأخيرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ألاسكا.
شروط موسكو وعودة إلى 2022
لافروف أشار إلى أن روسيا تريد العودة إلى مقترحات إسطنبول عام 2022، التي نصّت على دور روسي–صيني في ضمان أمن أوكرانيا إلى جانب الأوروبيين، وهي صيغة تراها كييف مرفوضة بالكامل. الوزير الروسي وصف أي مقترحات أخرى بأنها “عديمة الجدوى”، في إشارة إلى الضمانات الأمنية الغربية قيد البحث.
الموقف الأوروبي ومحاولة فرض وقائع جديدة
في المقابل، تتحرك عواصم أوروبية كفرنسا وبريطانيا وإستونيا لدراسة إمكانية نشر قوات في أوكرانيا بعد أي اتفاق سلام، في إطار رؤية لبناء أمن طويل الأمد. إلا أن هذا الطرح يثير حساسية شديدة لدى موسكو التي تراه مساساً مباشراً بسيادتها وموازين القوى.
ترامب بين الضغوط والخيارات المحدودة
ترامب، الذي تبنى مبادرة جديدة لإنهاء الحرب، عبّر عن غضبه من الموقف الروسي، لكنه اختار تحميل سلفه جو بايدن المسؤولية، متهماً إياه بحرمان أوكرانيا من حق “مهاجمة” روسيا. في منشور على منصة Truth Social، شبّه ترامب الوضع بفريق رياضي يُسمح له فقط بالدفاع لا الهجوم، مؤكداً أن هذا النهج “لا يمكن أن يقود إلى النصر”.
قمة بوتين – زيلينسكي مؤجلة
الآمال التي روّج لها ترامب حول إمكانية عقد لقاء مباشر بين الرئيسين فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي تلقت ضربة أخرى. لافروف شدد على أن أي قمة ثنائية “لن تُعقد إلا إذا جرى التحضير المسبق لكل القضايا”، ملمحاً إلى أن الهدف الوحيد لمثل هذا اللقاء سيكون إقرار شروط موسكو القصوى، أي عملياً استسلام كييف.
الشرعية محل تشكيك
الوزير الروسي أعاد أيضاً استخدام الخطاب التقليدي للكرملين، مشككاً في “شرعية” زيلينسكي لتوقيع أي اتفاق سلام، وهو طرح يتسق مع استراتيجية موسكو المستمرة لنزع الشرعية عن القيادة الأوكرانية.
الميدان يفرض نفسه
بالتوازي مع المواقف الدبلوماسية، صعّدت روسيا عسكرياً بشن 574 طائرة مسيّرة و40 صاروخاً على مناطق أوكرانية غربية، ما أسفر عن سقوط قتيل و15 جريحاً، واستهداف منشآت بينها شركة أمريكية كبرى. كييف اعتبرت أن الرسالة واضحة: موسكو لا تبحث عن السلام بل عن “إهانة” الوجود الاقتصادي الأمريكي.
الرد الأوكراني عبر الاستهداف العكسي
على الجانب الآخر، كثّفت أوكرانيا هجماتها بالطائرات المسيّرة ضد البنية التحتية الروسية، خاصة مصافي النفط، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود بالجملة داخل روسيا إلى مستويات قياسية.
خلاصة المشهد
رغم الاندفاعة الدبلوماسية الأخيرة بقيادة ترامب، فإن مسار التهدئة يواجه انسداداً واضحاً. روسيا تتمسك بشروطها القصوى، أوروبا تسعى لترتيبات ما بعد الحرب، وواشنطن تجد نفسها عالقة بين وعود سياسية وطريق مسدود ميدانياً. النتيجة: الحرب مستمرة، والدبلوماسية تدور في حلقة مفرغة، بينما المدنيون يدفعون الكلفة الأكبر.