ترحيل العمود الفقري:كيف تهدد سياسات ترامب قطاع الصحة في الولايات المتحدة ؟
ترحيل المهاجرين يهدد مستقبل الرعاية الصحية الأمريكية

أقرت المحكمة العليا الأمريكية بحق إدارة الرئيس دونالد ترامب في إنهاء الحماية القانونية المؤقتة لنحو نصف مليون مهاجر، من بينهم عشرات الآلاف من العاملين في قطاع الرعاية الصحية. القرار، الذي يُنتظر أن يُفعّل قريبًا، يهدد بشكل مباشر جودة الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، ويضع المسنين والمصابين بالأمراض المزمنة والمعدية في مواجهة مستقبل قاتم.
“نحن نعتمد عليهم كل يوم”
في دار Goodwin Living لرعاية المسنين قرب العاصمة واشنطن، تبدو تداعيات القرار واضحة. تقول جيل ميلر، إحدى نزيلات الدار: “لا يمكنني تخيل الحياة هنا دون هؤلاء العاملين. إنهم العمود الفقري للرعاية”. الدار مهددة بفقدان 65 من موظفيها نتيجة قرارات الترحيل الجديدة، في سيناريو يتكرر في مئات المنشآت المشابهة في أنحاء البلاد.
المهاجرون في صلب النظام الصحي الأمريكي
يُقدَّر عدد المهاجرين غير المواطنين العاملين في قطاع الصحة بحوالي مليون شخص، بينهم أكثر من 366 ألف لا يحملون وثائق رسمية. وتشير دراسة نشرت في مجلة JAMA الطبية إلى أن الرعاية طويلة الأمد لكبار السن والمعاقين ستكون القطاع الأكثر تضررًا، حيث يشكل المهاجرون ما يقرب من 30% من القوة العاملة في هذا المجال.
في ولايات كبرى مثل نيويورك وكاليفورنيا، تعتمد خدمات الرعاية المنزلية بشكل شبه كلي على هؤلاء المهاجرين؛ إذ يشكلون أكثر من ثلاثة أرباع العاملين في نيويورك، ونحو نصف العاملين في كاليفورنيا.
“تهديد مباشر للصحة العامة”
تشير نقابة الممرضين في كاليفورنيا إلى أن تصاعد أنشطة الترحيل، خاصة في مناطق العمال الزراعيين، جعل العديد من المهاجرين يخشون الذهاب إلى العيادات أو المستشفيات، ما يؤدي إلى تدهور الحالات الصحية وزيادة النفقات العامة. تقول ساندي ريدينغ، ممرضة في قسم الطوارئ: “إذا كانوا يخشون إرسال أطفالهم إلى المدارس، فمن الطبيعي أن يخشوا زيارة الطبيب أيضًا. والنتائج واضحة؛ بتر أطراف بسبب السكري، أو جلطات دماغية كان من الممكن تفاديها”.
وتضيف أن تفشي أمراض مثل الحصبة وإنفلونزا الطيور، التي تنتشر بسهولة، قد يصبح أكثر خطورة في ظل إحجام قطاعات من السكان عن التماس الرعاية الطبية.
قطاع الصحة ليس الوحيد المتضرر
رغم أن تداعيات القرار على قطاع الصحة هي الأوضح، فإن التأثير يمتد إلى قطاعات أخرى مثل الزراعة والبناء. ويقر بعض المحافظين الذين يؤيدون سياسة ترامب بأن ترحيل مئات الآلاف من المهاجرين قد يلحق أضرارًا جسيمة بالاقتصاد الأمريكي.
يقول سيمون هانكنسون، الباحث في مؤسسة هيريتيج المحافظة: “نحتاج إلى أن يحدد الكونغرس مستوى الهجرة المطلوبة ونوع المهارات التي نحتاجها، بدلاً من الاعتماد على قرارات تنفيذية مؤقتة تتغير بتغير الإدارات”.
تجاهل رسمي لمخاوف القطاع الصحي
في المقابل، ترفض وزارة الأمن الداخلي هذه المخاوف. وقالت المتحدثة باسم الوزارة، تريشا ماكلوغلين، في بيان لصحيفة بوليتيكو: “القول بأن الطريقة الوحيدة للعناية بكبار السن هي من خلال السماح لأجانب غير مدققين بالبقاء في البلاد هو كلام كسول وغير دقيق”.
لكن الوزارة لم تُجب على تساؤلات تتعلق بالمهاجرين الذين دخلوا البلاد قانونيًا وحصلوا على تصاريح مؤقتة، كاللاجئين من دول مثل فنزويلا وهايتي ونيكاراغوا، الذين منحتهم إدارات سابقة الحق في العمل والبقاء بسبب الظروف الصعبة في بلدانهم.
أزمة متكررة بسبب غياب إصلاح تشريعي دائم
أحد أبرز أسباب تفاقم الأزمة هو غياب تشريع دائم ينظم أوضاع المهاجرين العاملين في مجالات حيوية. وبينما تتغير السياسات بتغير الإدارات، يبقى مئات الآلاف من العاملين – والملايين من المستفيدين من خدماتهم – في حالة قلق دائم بشأن المستقبل.
وفي ظل تحذيرات متزايدة من العاملين في المجال الصحي والمقيمين في دور الرعاية، يبدو أن القرار الأخير قد يكون نقطة تحول في النقاش العام حول الهجرة، ليس فقط كقضية أمنية أو سياسية، بل كمسألة تمس جوهر الرعاية الصحية في الولايات المتحدة.