يوم الحساب يقترب.. لن ينجو أحد من تبعات الصمت والتواطؤ.
من غزة إلى عواصم الغرب.. لحظة الحقيقة تفرض نفسها على الجميع.

بدأ العالم يستفيق تدريجياً من صمته الطويل، مع تصاعد الهجوم الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، وارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين، خصوصاً الأطفال والنساء. موجة من الإدانات الدولية بدأت تتشكل، بعضها رسمي من حكومات ومنظمات، وبعضها الآخر شعبي عبر احتجاجات ومواقف تضامنية. غير أن كثيراً من هذه المواقف، رغم أهميتها، لا تزال موضع تشكيك، لأنها تأتي متأخرة، ولأنها تصدر عن أطراف ظلت صامتة طويلاً أو متواطئة بشكل غير مباشر.
ففي لحظة كهذه، لا يكفي مجرد الاستنكار، ولا تُغفر خطيئة الصمت بموقف متأخر. الحساب لن يكون للجلاد فقط، بل سيمتد لكل من منحه الغطاء أو تجاهل الجرائم عمداً. التواطؤ لا يكون دائماً بالفعل، بل كثيراً ما يكون بالصمت، أو بالتردد في قول الحقيقة.
الدم الفلسطيني الذي يُسفك يومياً لن يُمحى بسهولة من ذاكرة الشعوب، ولا من صفحات التاريخ. والعالم، الذي بدا طويلاً عاجزاً أو غير راغب، بدأ يدرك أن العدالة لا يمكن أن تُجزأ، وأن الثمن السياسي والأخلاقي للصمت قد يكون فادحاً. في النهاية، سيكون هناك حساب، والحقيقة ستفرض نفسها، مهما طال زمن القتل أو قصر زمن الندم.
كلام لم نعتد سماعه في البرلمان البريطاني:
في مشهد مفاجئ الأسبوع الماضي، تحدّث النائب المحافظ كيت مالثاوس في البرلمان البريطاني عن “صعوبة مواكبة وتيرة المجازر اليومية في غزة”، متسائلاً عن مسؤولية رئيس الوزراء ووزير الخارجية وحتى الوزراء السابقين أمام القانون الدولي، إذا ما جاء “يوم الحساب”.
ومن الواضح أن هذا اليوم بات يلوح في أفق كثير من السياسيين الغربيين. بريطانيا، إلى جانب فرنسا وكندا، وصفت المعاناة في غزة بـ”غير المحتملة”، مهددة برد “ملموس” إن استمر العدوان. وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أعلن وقف محادثات التجارة مع إسرائيل، واستدعاء السفير، وفرض عقوبات على مستوطنين متطرفين. وقال في البرلمان: “العالم يحاكم.. التاريخ سيحكمهم”. لكنه نسي أن هذا الحكم لن يُوجّه فقط نحو تل أبيب، بل أيضاً نحو من كانوا شركاء في الصمت والدعم.
مواقف خجولة لا ترقى للمجزرة:
الإجراءات البريطانية لا تزال رمزية، حتى ديفيد كاميرون – عندما كان وزيراً للخارجية – فكر في فرض عقوبات على وزراء كبار في حكومة نتنياهو ثم تراجع، أما الآن فمع وجود مذكرات توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد القيادة الإسرائيلية، تسود الحكومة البريطانية حالة من الذعر… دون فعل حقيقي، فحتى الأسبوع الماضي كانت بريطانيا تدافع في المحكمة عن استمرار تصدير مكونات طائرات “إف-35” لإسرائيل.
شركاء الجريمة… من دعموا ومن سكتوا:
المشكلة ليست فقط في العجز عن وقف الجرائم، بل في سجلّ طويل من التواطؤ، زعيم حزب العمال كير ستارمر، أيّد في البداية فرض إسرائيل لحصار شامل على غزة، قائلاً إنه “حق مشروع”، قبل أن يتراجع لاحقًا وينكر تصريحه في عهده، طُرد أعضاء مؤيدون لفلسطين، واعتُبر انسحاب المستشارين المسلمين من الحزب “تخلّصاً من الطفيليات”، كما وصفتهم تقارير داخلية وبينما أُوقفت 8% فقط من صفقات السلاح مع إسرائيل تحت ضغط قانوني، وقّع حزبه على صفقات تسليح خلال 3 أشهر تفوق ما أقرّه المحافظون في 3 سنوات!
انشقاقات في صفوف المحافظين:
العديد من السياسيين المحافظين بدأوا التراجع عن دعمهم الأعمى لإسرائيل، النائب إدوارد لي عضو “أصدقاء إسرائيل المحافظين” لأكثر من 40 عامًا، تساءل: “متى لا تُعتبر الإبادة الجماعية إبادة جماعية؟”. أما النائب مارك بريتشارد، فأعرب عن ندمه قائلًا: “أخشى أن هذا سيكون أحد تلك اللحظات التاريخية التي نُحاسب فيها كمجتمع على صمتنا”.
الحقائق المروعة لا يمكن تجاهلها
مع تصاعد أرقام الضحايا، وتأكيد الأمم المتحدة احتمال وفاة 14 ألف رضيع خلال 48 ساعة فقط إذا لم تدخل المساعدات، يتضح للعالم أن ما يحدث في غزة ليس مجرد حرب، بل جريمة تاريخية، قائد المعارضة الإسرائيلية يائير غولان، قالها بصراحة: “نقتل الأطفال كهواية”. أما وزير المالية سموتريتش فصرّح بفخر: “نفكك غزة ونتركها ركاماً بلا سابقة”.
الحقيقة كانت واضحة منذ البداية
لقد حذّرنا كثيراً، وكتبنا قبل شهور: “الزعماء الإسرائيليون أعلنوا نواياهم صراحة منذ البداية – لا يستطيع أحد أن يدّعي الجهل”. واليوم فيما يستعد الغزيون للأسوأ، يتبيّن أن كل من تجاهل هذا الدمار، أو سكت عليه، أو شجّعه، لن ينجو من لحظة الحساب، التي باتت أقرب مما يتصور.