عربي وعالمي

موقف أوربان من أوكرانيا يدفع المجر إلى حافة القطيعة مع الاتحاد الأوروبي

الاتحاد الأوروبي يلوّح بعقوبات تاريخية ضد بودابست بسبب دعمها المحدود لأوكرانيا

تشهد المجر تصعيدًا حادًا في لهجتها تجاه الاتحاد الأوروبي، مع حملة دعائية مكثفة تتهم بروكسل بالتآمر على سيادة البلاد، بالتوازي مع موقف عدائي متواصل تجاه دعم أوكرانيا. هذه التطورات تضع بودابست في مواجهة غير مسبوقة مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وقد تؤدي إلى اتخاذ خطوات جذرية ضدها.

الحملة الإعلامية الحالية التي تقودها حكومة فيكتور أوربان، تتزين بملصقات تحمل عبارة “لا نسمح لهم أن يقرروا عنا”، وتضع ثلاث شخصيات على رأس قائمة “الأعداء”: الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس الكتلة الشعبية الأوروبية مانفريد فيبر  الذي يُنظر إليه كداعم قوي للمعارضة المجرية.

رغم أن السؤال الذي تطرحه الحكومة على الشعب “هل تؤيد انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي؟” – يبدو محايدًا، فإن السلطات في بودابست تعبّر بوضوح عن موقفها السلبي، مستخدمة خطابًا مشحونًا حول مخاطر مزعومة على الاقتصاد والصحة العامة إذا ما تم ضم أوكرانيا، من دون تقديم أي أدلة ملموسة. وفقًا لتقرير الجارديان

بحسب لاسلو أندور، المفوض الأوروبي المجري السابق، فإن الحكومة “استغلت المزاج الشعبي الرافض للتورط في الحرب، لتبرير انسحابها من دعم أوكرانيا بشكل متكرر”.

المجر عرقلت سابقًا حزم عقوبات أوروبية ضد روسيا، ورفضت المصادقة على بيانات تضامنية مع كييف، بالإضافة إلى استخدام حق النقض ضد الإفراج عن 6 مليارات يورو لتعويض دول قدمت مساعدات عسكرية لأوكرانيا.

متظاهرون في بودابست يتظاهرون ضد حظر الحكومة المجرية لمسيرات الفخر الأسبوع الماضي. تصوير: Balint Szentgallay/NurPhoto/Rex/Shutterstock

نحو عقوبات أوروبية غير مسبوقة؟

تصعيد بودابست بات يثير قلقًا حقيقيًا داخل الاتحاد، لدرجة أن بعض الدول باتت تدرس تفعيل المادة السابعة من معاهدة الاتحاد الأوروبي، التي تتيح تعليق حقوق التصويت لدولة عضو تنتهك المبادئ الأساسية للتكتل. رغم أن تطبيق هذه الآلية يتطلب إجماعًا بين الدول الأعضاء – وهو أمر غير مضمون بسبب دعم محتمل من سلوفاكيا – إلا أن مجرد الحديث عنها يعكس تغيرًا في المزاج الأوروبي.

“المشاعر أقوى اليوم مما كانت عليه في 2010، لأن أوربان أصبح معرقلًا في قضايا يعتبرها الاتحاد جوهرية، مثل دعم أوكرانيا”، يقول أندور.

الاختبار الحقيقي قد يأتي هذا الصيف، حين تُعرض تجديدات العقوبات ضد روسيا على التصويت مجددًا، بما فيها تجميد أصول البنك المركزي الروسي البالغة 210 مليارات يورو. في حال استخدمت المجر الفيتو، فإنها ستكون عمليًا خارج الصف الأوروبي، وفقًا لأحد كبار المسؤولين في الاتحاد.

رغم أن بودابست اعتادت التراجع في اللحظات الأخيرة، فإن المسؤولين الأوروبيين لا يبدون مطمئنين هذه المرة، ويعملون على مسارات التفافية تحسبًا لأي عرقلة.

ويُنظر إلى بيتر ماجيار، زعيم حزب المعارضة المجري تيسا، باعتباره منافسًا خطيرًا لرئيس الوزراء فيكتور أوربان. تصوير: برناديت زابو – رويترز

قمع داخلي وخصم سياسي صاعد

الضغوط الأوروبية تتزامن مع تحول داخلي غير مسبوق. صعود بيتر ماغيار، الزعيم الجديد لحزب “تيزا” المعارض، بات يشكل تهديدًا وجوديًا لحزب “فيدس” الحاكم. وفي هذا السياق، يرى محللون أن الحكومة تستخدم ملف أوكرانيا وحظر فعاليات الفخر (Pride) كسلاحين مزدوجين لتشويه صورة ماغيار.

“الحكومة تنصب فخًا استراتيجيًا لماغيار”، يوضح دانييل هيغيدوش، من مؤسسة مارشال الألمانية. “إذا عارض حظر فعاليات المثليين، فستتهمه الحكومة بالانتماء لـ’اللوبي الأوروبي المثلي’، وإذا سكت، سيفقد ثقة الناخبين المتعلمين والمتمدنين”.

الوضع الحالي يدفع بعض المراقبين إلى التحذير من أن الانتخابات البرلمانية القادمة قد لا تكون لا حرة ولا نزيهة، في سابقة خطيرة داخل الاتحاد الأوروبي. خاصة أن الانتخابات السابقة كانت توصف بأنها غير عادلة بسبب تحكم الحكومة في الإعلام والموارد.

اختلف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشأن العقوبات المفروضة على روسيا. الصورة: وكالة الصحافة الرئاسية الأوكرانية/رويترز

الاتحاد الأوروبي أمام اختبار حاسم

بينما يراهن بعض الدبلوماسيين على تغيير محتمل عبر صناديق الاقتراع، ترى النائبة الأوروبية الهولندية تينيكي ستريك أن هذا النهج لم يعد كافيًا. وتدعو إلى تحرك مباشر من المفوضية الأوروبية، يشمل طلب تعليق الحظر على فعاليات المثليين من خلال محكمة العدل الأوروبية، وتوجيه الأموال المجمدة من الميزانية الأوروبية إلى المجتمع المدني المحلي.

ففي عام 2024، خسرت الحكومة المجرية مليار يورو من أموال الاتحاد، فيما بقي نحو 19 مليارًا أخرى مجمدة بسبب انتهاكات لسيادة القانون.

“يجب أن يُمارس ضغط هائل على أوربان لتغيير مساره”، تؤكد ستريك.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى