عربي وعالمي

"هل تُهدد سياسة الهجرة الجديدة لحزب العمال استقرار الحزب مستقبلاً؟"

مخاطر سياسية وتحديات داخلية في خطة الهجرة لحزب العمال البريطاني

تمثل سياسة الهجرة الجديدة التي يتبناها حزب العمال واحدة من أكثر الخطوات جرأة في تاريخه الحديث، لكنها في الوقت ذاته تنطوي على مخاطر سياسية جسيمة. فهذه الخطة قد تُفجّر خلافات داخلية، وتدفع شريحة من الناخبين نحو أحزاب أخرى مثل الليبراليين الديمقراطيين والخضر.

ضبط سوق العمل وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة

تسعى الخطة إلى تقليص الاعتماد على العمالة منخفضة الأجور من الخارج، خصوصًا في قطاعي الرعاية الصحية والاجتماعية. وتركّز على الحد من تأشيرات العمالة غير الماهرة، ومنع دور الرعاية من الاعتماد على المهاجرين، مقابل دمج نحو 1.5 مليون عاطل و9 ملايين من غير النشطين اقتصاديًا في سوق العمل.

واقع ميداني يفرض تحديات كبيرة

غير أن واقع قطاع الرعاية يعكس صورة مغايرة، إذ يعاني من نقص حاد في الأيدي العاملة ويعتمد بشكل كبير على العمال الأجانب. يُقدّر عدد الوظائف الشاغرة بنحو 150 ألفًا، فيما تشير مؤسسات الرعاية إلى ضعف الإقبال من البريطانيين. كما أن تأجيل الحكومة لاتفاق الأجور العادلة حتى عام 2028 يُضعف من جاذبية العمل في هذا القطاع.

ضغوط على أرباب العمل ومعالجة الفساد في التأشيرات

أعلنت وزيرة الداخلية في حكومة الظل، يفيت كوبر، عن نية الحزب تقليص عدد التأشيرات بـ50 ألفًا سنويًا، مع فرض التزام على أرباب العمل بتدريب العمال المحليين قبل اللجوء إلى استقدام الأجانب. من يتخلف عن ذلك سيدفع رسومًا أعلى للحصول على تأشيرات. كما سيتم النظر في ملفات 10 آلاف شخص حصلوا على تأشيرات مزيفة، ومنحهم فرصة للعمل في قطاع الرعاية مقابل تمديد إقامتهم.

سياسات قد تؤدي إلى نتائج عكسية

الحد من الهجرة قد يُضعف قطاعات حيوية مثل الرعاية والضيافة، ويُعقّد تحقيق النمو الاقتصادي. كما أن كبار السن – رغم معارضتهم للهجرة – يعتمدون فعليًا على المهاجرين في الخدمات الصحية والاجتماعية. أما قطاع التعليم، فرغم أنه لم يتأثر كثيرًا حتى الآن، فإن فرض رسوم جديدة على الطلاب الأجانب قد يهدد الجامعات البريطانية ماليًا ويُضعف نفوذها الأكاديمي.

رسائل داخلية وخارجية صارمة

شملت التعديلات تشديد شروط اللغة الإنجليزية وتسريع ترحيل المجرمين الأجانب، وتعديلات في تفسير “الحق في الحياة الأسرية” بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. غير أن اتهام المحامين بتعطيل الترحيلات مبالغ فيه، كما بيّنت سابقًا حادثة “القط” الشهيرة التي أُثيرت في عهد تيريزا ماي.

انقسامات داخل حزب العمال

داخل الحزب، تواجه الخطة انتقادات من نواب يرون فيها انزلاقًا نحو مواقف اليمين الشعبوي. النائبة ناديا ويتوم وصفت الخطاب بأنه “خطير ومخزٍ”، بينما تساءلت زارة سلطانة ساخرة إن كان نايجل فاراج هو من كتب خطاب ستارمر.

موازنة دقيقة بين القواعد المتباينة

التحدي الأكبر أمام القيادة العمالية يتمثل في الحفاظ على تماسك قاعدتها المتنوعة، التي تجمع بين ناخبين في دوائر تهيمن عليها الهجرة، وآخرين يخشون من فقدان الأصوات لصالح الأحزاب اليمينية المتطرفة.

اشتراكية ديمقراطية أم شعبوية مغلفة؟

رغم كل الاعتراضات، تؤكد كوبر أن هذه السياسة تمثل جانبًا صريحًا من الاشتراكية الديمقراطية، عبر رفض استقدام العمالة الرخيصة التي تضغط على أجور البريطانيين. وإذا كان ارتفاع أعداد المهاجرين لم يؤدِ إلى نمو اقتصادي ملحوظ، فإن الوقت قد حان لاختبار بدائل أكثر واقعية.

النجاح ليس بالأرقام وحدها

في نهاية المطاف، فإن نجاح هذه التجربة السياسية لا يتوقف فقط على خفض أرقام الهجرة، بل على قدرة حزب العمال في إدارة النقاش بموضوعية وشجاعة، ومواجهة خطاب اليمين الشعبوي بالحجج الواقعية لا بالشعارات.

 

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى