جريمة حرب كبرى: أطفال أوكرانيا المختطفون في روسيا.. بين المعسكرات والتبني القسري

في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، يطفو على السطح جانب إنساني مروّع من الصراع، بعيدًا عن خطوط المواجهة. فوفقًا لتقديرات فريق من الخبراء الأمريكيين، لا يزال نحو 35 ألف طفل أوكراني مفقودين، يُعتقد أنهم محتجزون داخل الأراضي الروسية أو في مناطق تحت سيطرة موسكو، في واحدة من أكبر عمليات خطف أطفال منذ الحرب العالمية الثانية.
أمهات يعبرن النار لاستعادة أبنائهن
من بين القصص المؤثرة التي بدأت تخرج إلى العلن، تبرز قصة ناتاليا، وهي أم من مدينة خيرسون، اضطرت تحت وطأة الظروف القاسية إلى إرسال ولديها إلى مخيم أطفال في مدينة أنابا الروسية، بعد أن قيل لها إن الرحلة مجانية ومؤقتة. لكن ما لم تكن تعلمه أن أبناءها سيُحتجزون هناك نحو ستة أشهر.
ومع تحرير خيرسون في أواخر عام 2022، وجدت الأم نفسها مضطرة لعبور الحدود الروسية بحثًا عن طفليها. بعد رحلة محفوفة بالمخاطر استمرت ستة أيام، تمكنت ناتاليا من احتضانهما مجددًا في فبراير 2023، قائلة:
“لا يمكنكم تخيل مشاعري… أطفالي هم كل ما أملك”.
خطف ممنهج يشبه ممارسات النازية
تشير تقارير صادرة عن مختبر أبحاث العمل الإنساني بجامعة ييل إلى أن هذه الحوادث لا تُمثل حالات فردية، بل تعكس عملية خطف منظمة تهدف إلى “ترويس” الأطفال الأوكرانيين، كما حدث خلال الاحتلال النازي لبولندا في ثلاثينيات القرن الماضي.
يقول ناثانييل ريموند، مدير المختبر:
“ما نشهده اليوم هو أكبر عملية خطف أطفال خلال حرب منذ الحرب العالمية الثانية”.
وقد اعتمد فريقه على تحليل قواعد بيانات روسية رسمية وصور أقمار صناعية وشهادات من أطفال نُقذوا، وتشير هذه الشهادات إلى تعرض بعضهم لـتدريبات عسكرية، منعهم من التحدث بالأوكرانية، وإجبارهم على ترديد النشيد الروسي.

التبني القسري… النهاية المجهولة للمخطوفين
توضح داريا كاسيانوفا، منسقة شبكة حقوق الطفل الأوكرانية، أن مصير الأطفال الذين يتم نقلهم إلى دور أيتام روسية يصبح معقدًا للغاية، حيث تُسهل القوانين الروسية إجراءات تبنيهم من قبل عائلات روسية.
“بمجرد دخولهم نظام التبني، نفقدهم إلى الأبد”، تقول كاسيانوفا، مشيرة إلى أن تغيير هويات الأطفال يمثل تهديدًا حقيقيًا لاستعادتهم.
وحتى الآن، تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 1,366 طفلًا فقط تمكنوا من العودة إلى أوكرانيا، سواء من خلال الهروب أو بمساعدة منظمات إنقاذ متخصصة.
مذكرة توقيف ضد بوتين وجرائم حرب موثقة
اعترفت المحكمة الجنائية الدولية في مارس 2023 بأن ترحيل الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا يُعد جريمة حرب، وأصدرت مذكرتي توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومفوضة حقوق الأطفال ماريا لفوفا بيلوفا، في خطوة اعتبرتها كييف انتصارًا قانونيًا وإنسانيًا.
وتُصرّ أوكرانيا على أن إعادة الأطفال المختطفين بند غير قابل للتفاوض في أي اتفاق سلام مستقبلي، مؤكدة أن ما يحدث لا يتعلق فقط بالأرض بل أيضًا بـ”أطفال الوطن”، كما عبّرت عن ذلك كسينيا، وهي متخصصة في عمليات الإجلاء:
“هؤلاء الأطفال هم أرضنا… لا يمكننا التخلي عنهم. روسيا لا تملك أي حق فيهم”.
أداة تفاوض أم دعاية سياسية؟
يرى ناثانييل ريموند أن استخدام الأطفال لم يعد مقتصرًا على حملة الترويس الثقافي، بل بات وسيلة دعائية وسياسية:
“بعد فشل روسيا في تحقيق نصر سريع، تحوّل الأطفال إلى رهائن دعائيين يُستخدمون كورقة مساومة في المفاوضات”.
أطفال ليسوا أرقامًا.. بل جراح مفتوحة في جسد أمة
في الوقت الذي تتحدث فيه موسكو عن “رحلات إجلاء” أو “تبنٍّ قانوني”، تبقى الحقيقة واضحة: آلاف الأطفال انتُزعوا من هويتهم وذاكرتهم الوطنية، ويعيشون الآن في معسكرات أو بين عائلات روسية غريبة.
بعيدًا عن أرقام الإحصاء، تظل كل قصة اختطاف جرحًا مفتوحًا في جسد أوكرانيا، وأصوات الأمهات لا تتوقف عن ترديد نداء واحد: