حوادث وقضايا

هل تنجح هذه الحاويه الفولاذية في إنقاذ واحده من أقذر الصناعات في العالم ؟

حاوية فولاذية بسيطة قد تغير مستقبل الشحن البحري

في منطقة صناعية هادئة قرب نهر “لي” في تشينغفورد شرق لندن، يعمل فريق من رواد الأعمال على تطوير اختراع بسيط المظهر، قد يحمل حلاً لإحدى أكثر الصناعات تلويثًا للبيئة: الشحن البحري.

 

داخل حاوية فولاذية بحجم شاحنة صغيرة، توجد آلاف الكريات البيضاء الصغيرة المصنوعة من الجير الحي (quicklime). تمر أدخنة محركات السفن عبر هذه الكريات، التي تمتص ثاني أكسيد الكربون وتحوله كيميائيًا إلى حجر جيري (limestone) غير ضار، في عملية تهدف إلى التقاط الانبعاثات مباشرة من على سطح السفن.

 

سفن الشحن: ملوث أكبر من الطيران

أكثر من 50 ألف سفينة تجارية تجوب البحار في أي لحظة، مسؤولة عن نحو 3% من الانبعاثات العالمية، أي أكثر من الطيران المدني. وتطمح شركة Seabound الناشئة إلى تقليل هذه النسبة جذريًا عبر تقنية يسهل تثبيتها، وبتكلفة منخفضة نسبيًا.

 

وراء هذا الابتكار تقف “أليشيا فريدريكسون”، الشابة الثلاثينية التي تركت حلمها بأن تكون طبيبة بعد قراءتها تقريرًا للأمم المتحدة عن الفرق الكارثي بين الاحترار العالمي بمعدل 1.5 درجة و2 درجة مئوية. تقول: “حينها أدركت أن التأثير سيكون عالميًا، وقررت أن أكرّس جهدي لمعالجة هذا التحدي”.

 

من الفكرة إلى البحر

بدأت فريدريكسون، وشريكتها روجيا وين، بتطوير نموذج مصغّر من تقنية التقاط الكربون المستخدمة عادة في المصانع، ونجحتا في جذب تمويل بقيمة 4 ملايين دولار، بعضها من شركات شحن مهتمة.

 

ثم جاءت التجربة الحقيقية: رحلة استمرت 3 أسابيع على متن سفينة شحن تحمل 3200 حاوية، عبر قناة السويس، اختُبرت خلالها كفاءة النموذج، الذي أثبت قدرته على التقاط 78% من ثاني أكسيد الكربون و90% من الكبريت من غازات العادم.

 

تصميم عملي… بحجم حاوية

يتم بناء النموذج الأحدث ليكون بحجم حاوية شحن قياسية (20 قدمًا)، ليسهل دمجه مع باقي الحاويات على ظهر السفن. يمكن للسفن حمل عدة وحدات وزيادتها تدريجيًا، لتتماشى مع أهداف تقليل الانبعاثات وطول الرحلات.

 

وبمجرد امتلاء الوحدة بالحجر الجيري، يمكن استبدالها في الميناء بوحدة جديدة محملة بالجير الحي، وهو ما يتطلب بنية لوجستية عالمية تعمل Seabound على التخطيط لها.

 

التحدي الأكبر: مصدر الجير النظيف

رغم بساطة التقنية، فإن الجير الحي يُنتج من تسخين الحجر الجيري في أفران تنبعث منها كميات ضخمة من الكربون. ولهذا السبب، تبحث Seabound عن مصادر لـ”الجير الأخضر” – أي المُنتج باستخدام طاقة متجددة أو عبر أفران تلتقط الانبعاثات أثناء التصنيع.

 

تقول فريدريكسون: “الكمية المتاحة من الجير الأخضر محدودة، لكن هناك العديد من الشركات التي تطوّر حلولًا واعدة، ونحن نعمل معهم.”

 

نقد بيئي: هل تُشتت التقنية الانتباه عن البدائل المستدامة؟

رغم الحماس حول الابتكار، يرى بعض الخبراء أنه قد يُستخدم كذريعة لتأجيل التحول الحقيقي نحو وقود عديم الانبعاثات، مثل الأمونيا أو تقنيات الشحن بالرياح.

 

لكن فريدريكسون ترد بأن تقنيتها لا تحل محل هذه الحلول بل تُكملها، وتوفر حلاً فوريًا بينما لا تزال البدائل الخضراء في طور التطوير.

 

تناغم مع التشريعات الدولية

في أبريل الماضي، أقرّت المنظمة البحرية الدولية خطة لفرض رسوم على انبعاثات السفن تتزايد تدريجيًا، مما يدفع القطاع نحو تقليل بصمته الكربونية. وتقول فريدريكسون إن وحدات Seabound تتيح للسفن تقليل انبعاثاتها دون الحاجة لتغيير نوع الوقود بالكامل.

 

“يمكننا زيادة عدد الوحدات تدريجيًا مع تشديد اللوائح”، تضيف فريدريكسون، التي تأمل أن ترى اختراعها مثبتًا على مئات – وربما آلاف – السفن خلال الأعوام المقبلة.

 

طموح عالمي رغم التحديات

كما هو الحال مع أي شركة ناشئة، يظل التوسع السريع تحديًا. لكن بفضل انخفاض التكلفة مقارنة بالحلول المعقدة الأخرى، بدأت Seabound بتلقي طلبات فعلية، ومن المتوقع أن تُثبت أولى وحداتها الكاملة على سفن حقيقية هذا العام.

 

رؤية فريدريكسون للمستقبل واضحة: “نريد أن نكون على متن آلاف السفن، وأن يكون لدينا مراكز تبديل حاويات في جميع موانئ العالم الكبرى”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى