المحكمة العليا الأمريكية تحد من صلاحيات القضاة الفيدراليين ضد أوامر ترامب
المحكمة العليا الأمريكية تقلص صلاحيات القضاة الفيدراليين

في قرار مفصلي صدر يوم الجمعة، دعمت المحكمة العليا الأمريكية مساعي الرئيس دونالد ترامب للحد من صلاحيات القضاة الفيدراليين الذين عرقلوا تنفيذ قرار إدارته بشأن إنهاء حق الجنسية بالولادة، وهو ما قد يمهّد الطريق لتطبيق جزئي للقرار المثير للجدل ويُضعف قدرة المحاكم الدنيا على وقف سياسات الرئيس على المستوى الوطني.
انقلاب قانوني في ميزان السلطة بين القضاء والتنفيذ
منذ عقود، كان بإمكان أي قاضٍ في المحاكم الفيدرالية الابتدائية إصدار أوامر قضائية وطنية (injunctions) توقف تنفيذ السياسات الحكومية في عموم الولايات المتحدة. إلا أن الحكم الجديد، الذي صدر بأغلبية ستة قضاة محافظين مقابل ثلاثة ليبراليين، يقيّد هذه الأوامر لتشمل فقط المدّعين في القضية، سواء كانوا أفرادًا أو منظمات أو ولايات.
حقوق المواطنة بالولادة: مصير غير محسوم
ورغم أن القرار لم يبت بشكل مباشر في دستورية قرار ترامب بحرمان بعض الأطفال المولودين في أمريكا من الجنسية، إلا أنه أعاد تشكيل الخريطة القانونية لمعارضة هذا القرار. وقد سارعت منظمات المهاجرين، مثل Casa وAsap، إلى إعادة صياغة دعاواها كقضايا جماعية (class-action) لحماية جميع الأطفال المولودين لأسر لا تملك إقامة قانونية، وليس فقط المدّعين الأصليين.
إدارة ترامب تحتفل بـ”نصر استراتيجي”
احتفى ترامب بالحكم، قائلاً:
“بفضل هذا القرار، يمكننا الآن المضي قدمًا في تنفيذ سياسات عديدة تم تعطيلها ظلمًا على مستوى البلاد”، مؤكدًا أن القرار يعيد للرئاسة حريتها في مواجهة من وصفهم بـ”المتحايلين على النظام”.
لكن القرار لا يمنح الضوء الأخضر الفوري لتنفيذ سياسة إلغاء الجنسية بالولادة، إذ ينص على تأجيل التنفيذ 30 يومًا، ما يمنح معارضي القرار نافذة زمنية للطعن.
اعتراضات شديدة من القضاة الليبراليين
القاضية كيتانجي براون جاكسون وصفت الحكم بأنه “تهديد وجودي لحكم القانون”، قائلة إن القرار يسمح للرئيس بانتهاك الدستور في حق من لم يرفعوا دعاوى قانونية بعد. ووصفت زميلتها سونيا سوتومايور القرار بأنه “مهزلة قانونية” تُقوّض استقلال القضاء الفيدرالي.
التعديل الرابع عشر أمام اختبار جديد
ينص التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي بوضوح على أن “كل من يولد في الولايات المتحدة أو يُمنح الجنسية فيها، هو مواطن أمريكي”، وهو مبدأ أُقر عام 1868 لإنهاء حرمان السود من الجنسية بعد الحرب الأهلية. وقد ثُبّت هذا الحق عام 1898 في قضية وونغ كيم آرك، عندما منحت المحكمة العليا الجنسية لطفل وُلد لأبوين صينيين مهاجرين.
قرار ترامب يضع هذا المبدأ الدستوري في مهب الريح، إذ يسعى لمنع منح الجنسية لأي طفل يُولد على الأراضي الأمريكية لأبوين لا يحملان إقامة دائمة أو جنسية أمريكية، بما يشمل حتى حاملي التأشيرات المؤقتة.
قلق متزايد بين المهاجرين
الحكم أثار قلقًا واسعًا بين الأسر المهاجرة. “ليزا”، وهي إحدى المدعيات في الدعوى ضد قرار ترامب، قالت خلال مؤتمر صحفي إنها أنجبت مؤخرًا طفلًا يتمتع بالجنسية الأمريكية بفضل قرار قضائي سابق، لكنها لا تزال تخشى أن يُسحب منه هذا الحق مستقبلًا.
“نخشى أن تحاول الحكومة احتجاز طفلنا أو ترحيله… قرار ترامب جعلنا نشعر وكأن طفلنا لا يُعتبر أحدًا”، قالت ليزا، وهي مهاجرة روسية.
منظمات حقوقية: خطوة خطيرة نحو التفرد بالسلطة
نددت منظمة ACLU الحقوقية بالقرار، واعتبرته تمهيدًا لتطبيق سياسات غير دستورية على فئات واسعة من السكان، دون حمايتهم قانونيًا.
وقال كودي ووفسي، نائب مدير مشروع حقوق المهاجرين بالمنظمة:
“الأمر التنفيذي لترامب غير قانوني بشكل صارخ. لا يجب أن يُطبَّق على أي أحد.”
المدعون العامون: نكسة قانونية ولكن الطريق لم يُغلق بعد
أبدى عدد من المدعين العامين الديمقراطيين، من ولايات بينها نيوجيرسي وكاليفورنيا وماساتشوستس، أسفهم للحكم لكنه أكدوا أن حق المواطنة بالولادة لا يزال قائمًا قانونًا.
قال ماثيو بلاتكين، المدعي العام لولاية نيوجيرسي:
“لقد خضنا حربًا أهلية لحسم مسألة جنسية المولودين على الأراضي الأمريكية. ولا يمكن السماح بفتح هذا الجرح الدستوري من جديد بعد قرن ونصف من الحسم”.
خلاصة: معركة قانونية بين الرئاسة والقضاء تتجاوز قضية الهجرة
رغم أن الملف الظاهري يدور حول الهجرة والمواطنة، فإن المعركة القانونية الحقيقية تتعلق بـ حدود السلطة التنفيذية وصلاحيات القضاء الفيدرالي. القرار يعيد تشكيل التوازن بين السلطة القضائية والتنفيذية في أمريكا، في وقت حساس سياسيًا، ويضع مصير آلاف العائلات المهاجرة في مهب التغيير القانوني والاضطراب القضائي.