حيلة “جين ستريت” الخفية للاحتفاظ بالموظفين: لغة برمجة لا يفهمها أحد!

في عالم صناديق التحوط، لا شيء يُترك للصدفة. من تتبع السيارات في مواقف التسوق عبر الأقمار الصناعية إلى شحن الذهب عبر المحيطات، كل شيء مباح في سبيل الربح. لكن بناء “مُصرّف” (Compiler) خاص بلغة برمجة غامضة وغير منتشرة؟ هذه خطوة تثير الدهشة حتى في أوساط التمويل الكمي.
إيرادات قياسية… تقودها تكنولوجيا غير تقليدية
هذا بالضبط ما تفعله “Jane Street”، الشركة التي تُعد أيقونة في مجال التداول الكمي. ففي عام 2024، تضاعفت إيراداتها من التداول تقريبًا لتصل إلى 21 مليار دولار، متجاوزة مؤسسات عملاقة مثل “سيتي غروب” و”مورغان ستانلي”. والسر وراء هذا النجاح؟ نظام تقني فريد… مبني بلغة برمجة فرنسية غير تقليدية تُعرف باسم OCaml.
OCaml: الخيار الغريب الذي أصبح استراتيجية
في حين تعتمد معظم الشركات على مزيج من اللغات البرمجية المعروفة مثل Python أو C++، فإن “جين ستريت” تُلزم معظم موظفيها باستخدام OCaml – وهي لغة صعبة التعلم لكنها قوية في التعامل مع المشكلات المعقدة، وتتميز بدعمها للبرمجة الوظيفية والتحقق الصارم من الأخطاء عبر ما يُعرف بـ”الكتابة الثابتة”.
تقنية ذكية… أم وسيلة لإبقاء الموظفين محاصرين؟
بحسب مسؤولي الشركة، هذه اللغة تُسهم في “تعظيم إنتاجية كل موظف” – لكنها تخفي وراء ذلك مكسبًا آخر أكثر دهاءً.
تخصص نادر يخلق نوعًا جديدًا من الولاء
منذ 2005، بدأت “جين ستريت” بإعادة كتابة أنظمتها بالكامل باستخدام OCaml، حتى أصبحت مدمنة عليها. ومؤخرًا، أعلنت عن تطوير نسختها الخاصة من اللغة باسم OxCaml، لتُناسب احتياجاتها الدقيقة في الكفاءة والسرعة.
لكن استخدام لغة غريبة وصعبة يُشكّل عائقًا كبيرًا لأي موظف يفكر في المغادرة. فبينما تطلب الشركات المنافسة، مثل Millennium، مطورين يجيدون لغات شائعة كـPython وJava وGo، فإن خبراء OCaml لا يجدون طلبًا مماثلًا في السوق… إلا داخل “جين ستريت” نفسها.
بديل ذكي للعقود القانونية التقليدية
لا حاجة لعقود “عدم التنافس” المعقدة والطويلة. فبينما تلجأ صناديق التحوط الأخرى إلى فرض شروط صارمة تمنع موظفيها من العمل لدى شركات منافسة لسنوات، تعتمد “جين ستريت” على طريقة أكثر سلاسة… لكنها أكثر فاعلية. فهي ببساطة تجعل مهارات موظفيها غير قابلة لإعادة التوظيف بسهولة في مكان آخر.
احتكار داخلي للمعرفة التقنية
ومن خلال التحكم في تطور لغة OCaml نفسها، تضمن الشركة أن أدواتها، ومطوريها، وخبراتها ستبقى حكرًا عليها، حتى لو قرر البعض المغادرة. خطوة تمنحها أفضلية تنافسية طويلة الأمد يصعب تقليدها.
إدارة المواهب عبر الكود: عندما تتحول اللغة إلى سلاح إداري
قد يبدو أن قرار الشركة باستخدام لغة برمجة نادرة جاء بدافع فني بحت، لكن الحقيقة أن له بُعدًا استراتيجيًا واضحًا: إبقاء الموظفين ضمن “المنظومة” لأطول فترة ممكنة دون قيود قانونية… فقط باستخدام كود يصعب نقله أو تكراره.
جين ستريت: ليست مجرد شركة… بل نظام بيئي مغلق
في نهاية المطاف، فإن جين ستريت لا تُوظف مبرمجين فحسب… بل تُعيد برمجة الولاء ذاته.