من قادة ما بعد الحرب إلى هادميها: كيف يهدد الكبار مستقبل العالم؟
جيل متقدم في العمر يمزق النظام العالمي الذي صنعه – ولن يعيش ليرى نتائجه

لم يحدث في التاريخ الحديث أن كان هذا العدد الكبير من الزعماء العالميين متقدمين إلى هذا الحد في العمر، ومع ذلك يمسكون بمصير العالم. فلاديمير بوتين وشي جين بينغ بلغا 72 عامًا، ناريندرا مودي 74، بنيامين نتنياهو 75، دونالد ترامب 79، وعلي خامنئي 86 عامًا. وفي كاميرون، ما يزال بول بيا يحكم البلاد منذ 1982، رغم بلوغه 92 عامًا، بينما يبلغ متوسط عمر السكان 18 عامًا فقط.
صحيح أن التقدم الطبي منح البشر أعمارًا أطول، لكننا نشهد اليوم ظاهرة مقلقة: سياسيون طاعنون في السن يتمسكون بالسلطة بعناد، على حساب الأجيال الأصغر منهم، بل وعلى حساب مستقبل لا يخصهم إلا نظريًا، لأنهم على الأرجح لن يعيشوا ليشهدوا تداعيات قراراتهم.
قمة الناتو: طاعة لأوامر “الأب الغاضب” بدل الحوار السياسي
خلال قمة الناتو هذا الأسبوع، أجبر دونالد ترامب الحلفاء – ومنهم زعماء في الأربعينات والخمسينات – على الالتزام بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5%. لم يكن ذلك نابعًا من نقاش عسكري أو ديمقراطي معمق، بل انصياعًا لرغبة زعيم غاضب. حتى الأمين العام الجديد للحلف، مارك روته (58 عامًا)، أطلق على ترامب لقب “Daddy” – في مشهد أقرب إلى الطاعة الأبوية منه إلى الدبلوماسية.
صراع الأجيال على جبهات متعددة
هذه الهوة بين الأجيال تتجلى في عدة ساحات:
-
في أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي (47 عامًا) يواجه عدوان بوتين السبعيني.
-
في تايوان، الرئيس الشاب وليام لاي (65 عامًا) يقف أمام تهديدات شي جين بينغ.
-
في غزة، نتنياهو السبعيني يقود حربًا دمرت حياة آلاف الفلسطينيين، نصفهم دون سن الـ18.
-
في إيران، خامنئي الثمانيني يحكم شعبًا متوسط عمره 32 عامًا.
إنها ليست مؤامرة من كبار السن، بل مفارقة خطيرة: العالم يُفكك اليوم على أيدي من شيدوه بعد الحرب العالمية الثانية، دون أن يتكلفوا عناء التفكير في مآلاته.
أبناء النظام العالمي… ومهدموه
كل هؤلاء الزعماء الكبار في السن هم “أبناء” النظام العالمي الذي تأسس بعد 1945:
-
ترامب وُلد عام تأسيس الأمم المتحدة.
-
نتنياهو وُلد بعد عام من تأسيس إسرائيل.
-
مودي رأى النور عام 1950 مع إعلان الجمهورية الهندية.
-
بوتين وُلد قبل وفاة ستالين بقليل، وشي بعده بشهر.
-
إردوغان جاء إلى الدنيا بعد انضمام تركيا إلى الناتو.
لكنهم اليوم، وهم يقتربون من نهاية أعمارهم، لا يبنون نظامًا جديدًا – بل يهدمون ما بقي من النظام الذي وُلدوا فيه.
تآكل الإيمان بالقيم العالمية: من الحوار إلى الاستعلاء
صحيح أن النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب لم يكن مثاليًا، لكنه احتوى على نية واضحة: أن لا تتكرر مجازر النصف الأول من القرن العشرين، وأن تُعطى الأولوية للدبلوماسية بدل الحرب.
لكن ذلك الإيمان تلاشى. وبدلاً من الكرامة، نرى طغيانًا. وبدلاً من الحوار، نرى ازدراءً. ومن المؤسف أن هذه العودة إلى القمع والعنف والانتهاكات يقودها زعماء طاعنون في السن، يبدون وكأنهم يسعون للإفلات من المحاسبة، لا لبناء السلام.
الأنانية المناخية: “من بعدي الطوفان”
من السهل أن تروج لسياسات مدمرة بيئيًا كـ”احفروا، احفروا المزيد من النفط”، حين لا يتبقى من حياتك سوى سنوات قليلة. الجيل الذي ينعم بطول العمر يبدو في كثير من الأحيان غير معني بمصير الأجيال القادمة، وكأن لسان حاله: “من بعدي الطوفان”.
الشيخوخة ليست العيب… بل سوء استخدامها
المشكلة ليست في العمر. فهناك من الكبار من يمثلون الضمير الأخلاقي والحنكة السياسية، كما فعل نيلسون مانديلا حين أسس “مجلس الحكماء” بعد خروجه من الحكم. هذا المجلس – الذي يضم زعماء سابقين – يسعى لنشر السلام والعدالة وحقوق الإنسان، مستلهمًا التقاليد الأفريقية التي تكرم الشيخوخة كحكمة لا كأداة للسيطرة.
ما يحتاجه العالم اليوم: حكماء لا طغاة
في زمن يسيطر فيه شيوخ متشبثون بالسلطة، يحتاج العالم إلى نموذج مغاير: قادة يفكرون في ما سيتركونه، لا في كيف سيخلّدون أسماءهم. لا نحتاج مزيدًا من “الرجال الأقوياء”، بل حكماء يفكرون بالمستقبل.
الفرق بين الحاكم والقائد؟ الحاكم يريد الهيمنة… القائد يسعى إلى الإرث الأخلاقي.
وفي هذا العصر، ما نحتاجه ليس يدًا من حديد، بل بصيرة حكيمة.