الأسواق الأمريكية تتجاهل العواصف السياسية: تحليل لسر هذا الثبات المذهل
مرونة الأسواق الأمريكية: صمود في وجه التقلبات الجيوسياسية

على الرغم من الاضطرابات الجيوسياسية المتزايدة، بما في ذلك احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تواصل الأسواق الأمريكية إظهار ثبات لافت يتجاوز حجم الصدمات السياسية والاقتصادية العالمية. هذا الأداء القوي يطرح تساؤلات حول فكرة “تراجع الاستثنائية الأمريكية” التي يروج لها البعض، حيث تستمر مؤشرات وول ستريت في الصعود بثقة.
هل العالم يلحق الركب بدلًا من تراجع التفوق الأمريكي؟
بينما قد يبدو أن الأسواق الأمريكية لم تعد تتقدم على نظيراتها العالمية بنفس الزخم السابق، فإن هذا لا يشير إلى انهيار. بل هو مؤشر على عودة التوازن العالمي. التحسن في أداء الأسواق العالمية يعكس تقدمًا من جانبها بعد سنوات من التخلف، وليس تراجعًا في القوة الأمريكية.
سياسات ترامب: توقعات اقتصادية لم تتحقق بعد
التوقعات السابقة بحدوث كابوس اقتصادي نتيجة لسياسات ترامب لم تتحقق حتى الآن. على الرغم من فرض الرسوم الجمركية وتزايد العجز المالي، يظل التضخم أدنى من التوقعات، والنمو الاقتصادي يتجاوز التقديرات. الملفت أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب دخلت خزينة الدولة، لكنها لم تؤدِ إلى ارتفاعات واضحة في أسعار السلع الاستهلاكية. هذا يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الشركات الأجنبية هي من تتحمل هذه التكاليف، أو ما إذا كانت الشركات الأمريكية تعتمد على مخزوناتها القديمة.
ثقة قياسية للمستثمرين الأفراد والمؤسسات في السوق الأمريكي
بمفارقة لافتة، يشهد السوق الأمريكي شراءً غير مسبوق للأسهم من قبل المستثمرين الأفراد. تجاوزت استثمارات الأسر الأمريكية في الأسهم المستويات القياسية التي شوهدت حتى خلال فقاعة الدوت كوم في عام 2000. بالإضافة إلى ذلك، تواصل الشركات الأمريكية إعادة شراء أسهمها بمعدل 4 مليارات دولار يوميًا، مما يعكس ثقة داخلية كبيرة في استمرار زخم السوق.
الأسواق تتجاهل المخاطر السياسية والخارجية بثبات
على الرغم من تصاعد التحذيرات من سياسات قد تكون أكثر عدائية تجاه الاستثمارات الأجنبية والتحويلات، لم تشهد الأسواق الأمريكية أي هروب كبير لرؤوس الأموال. يستمر المستثمرون الأجانب في الاحتفاظ بثقتهم في السوق الأمريكي، وقد يكون دافعهم لذلك هو عدم اليقين بشأن البدائل المتاحة أو الخوف من التغيير.
الذكاء الاصطناعي: محرك رئيسي للهيمنة الأمريكية
يبقى الذكاء الاصطناعي (AI) هو المحرك الأساسي للزخم الحالي في الأسواق الأمريكية. تقود الشركات الأمريكية المشهد العالمي في هذا المجال، متفوقة حتى على الصين، سواء من حيث الابتكار أو تبني التقنيات الحديثة. معظم المنصات العشر الكبرى عالميًا التي تستخدم الذكاء الاصطناعي هي شركات أمريكية، مما يعزز رواية التفوق التكنولوجي المستمر.
مخاطر كامنة: متى تتغير المعادلة؟
على الرغم من هذه الثقة الظاهرة، لا يعني ذلك غياب المخاطر. هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية قد تهدد هذا التوازن:
- انهيار رواية الذكاء الاصطناعي المتفائلة: خاصة مع ضخ استثمارات ضخمة في هذا القطاع دون ظهور نماذج ربحية واضحة حتى الآن.
- الظهور المفاجئ لتأثير الرسوم الجمركية: مما قد يؤدي إلى ركود اقتصادي أو تضخم غير متوقع.
- انكشاف ضعف القوة الاستهلاكية الأمريكية: التي تبدو قوية حاليًا بفضل العجز الحكومي المتنامي، ولكن ليس بالضرورة نتيجة لقاعدة اقتصادية صلبة.
كلمة السوق: تفاؤل مستمر حتى إشعار آخر
حتى الآن، يبدو أن الأسواق قد اختارت تجاهل التحذيرات والتوجه نحو المستقبل بتفاؤل. كل يوم تستمر فيه المؤشرات بالصعود، يعزز لدى ترامب شعورًا بأنه “ينتصر” – ليس فقط في السياسة، بل في الاقتصاد أيضًا.
أقرأ أيضاً :
إنجازات وزارة النقل في مجال الموانئ البرية والجافة والمناطق اللوجستية