عربي وعالمي

باحثون يحددون مصدر تشويش GBS الروسي في بحر البلطيق:حرب إلكترونية في قلب اوروبا

حرب إلكترونية في قلب أوروبا: روسيا وراء تشويش GPS في بحر البلطيق

في خضم التوترات المتصاعدة بين روسيا والغرب منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، يواجه الطيارون والبحّارة في منطقة بحر البلطيق تحديًا غير مسبوق: تشويش متعمد ومتواصل على أنظمة الملاحة بالأقمار الصناعية، يربك حركة الطيران والملاحة البحرية ويهدد السلامة الجوية والبحرية في واحدة من أكثر المناطق ازدحامًا في أوروبا.

 

ومؤخرًا، كشف فريق من الباحثين البولنديين والدوليين عن أدلة قوية تُحدّد بدقة مصدر هذه الهجمات الإلكترونية، والتي تعود إلى منشآت عسكرية روسية في جيب كالينينغراد الساحلي. ويبدو أن روسيا تعتمد بشكل متزايد على تشويش إشارات GPS وتزييفها (spoofing) كجزء من حرب هجينة تهدف إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة دون إطلاق رصاصة واحدة.

التشويش الروسي يعطّل الملاحة والطيران

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، سُجلت آلاف حالات التشويش على إشارات نظام الملاحة العالمي (GNSS)، الذي يشمل أنظمة مثل GPS الأمريكي، وGalileo الأوروبي، وGLONASS الروسي. هذه الهجمات تسببت في إلغاء رحلات جوية، وانحراف سفن عن مسارها، وحتى إغلاق مؤقت لبعض المطارات في دول مثل فنلندا وبولندا وإستونيا.

 

ويشمل التشويش نوعين رئيسيين:

 

الحجب (Jamming): منع إشارات الأقمار الصناعية عن الوصول.

 

التزييف (Spoofing): إرسال إشارات مزيّفة تقود الأنظمة إلى قراءة موقع غير دقيق.

 

الباحث ياروسواف سيديجكو، أستاذ مشارك في جامعة غدينيا البحرية، يقود فريقًا يستخدم محطات مراقبة حول خليج غدانسك لرصد مصادر هذه الإشارات. وقد أثبتت تحليلاتهم أن التشويش ليس ناتجًا عن سفن أو أقمار صناعية كما كان يُعتقد، بل يأتي من مرافق أرضية عسكرية روسية.

 

منشآت روسية تُحدَّد بدقة كمصادر التشويش

من خلال تقنيات التثليث (Triangulation) وتحليل بيانات الطيران والسفن، حدد الفريق مواقع التشويش على بعد كيلومتر واحد من:

بلدة أوكونيفو في كالينينغراد: معروفة بوجود وحدات حرب إلكترونية وأنظمة تشويش متطورة مثل Murmansk-BN القادرة على تعطيل الاتصالات لمسافة تصل إلى 8,000 كيلومتر.

 

مدينة بالتيسك: ميناء رئيسي للبحرية الروسية في البلطيق، يضم أنظمة وأجهزة تشويش متنقلة ومرافق إلكترونية كثيفة.

 

ورُصدت هذه الهجمات في أشهر مارس وأبريل ومايو 2025، وتزامنت مع تغييرات مناخية مثل انخفاض درجات الحرارة، ما يشير إلى احتمال تأثير الطقس على مدى انتشار الإشارات.

 

هل تُعتبر هذه الهجمات عدوانًا مقصودًا؟

رغم أن روسيا لم تعترف رسميًا بهذه الأنشطة، وقد طالت آثارها حتى بعض أراضيها، فإن دول البلطيق والسويد وألمانيا صنّفتها كجزء من “حرب هجينة”، ووصفتها بأنها هجمات إلكترونية تهدف إلى زعزعة النظام وتعطيل الاتفاقات الدولية، كما جاء في تصريح وزير خارجية إستونيا.

 

لكن سيديجكو يرى أن معظم هذا التشويش قد يكون “أثرًا جانبيًا” لعمليات دفاعية روسية حول منشآتها العسكرية، وليس استهدافًا مباشرًا للمدن أو الموانئ. إلا أن استمرار التكرار والانضباط الزمني يشير إلى نية عسكرية واضحة ومنظمة.

 

تقنيات مقاومة التشويش تتطور في أوروبا

في ظل ازدياد اعتماد الطيارين والبحّارة على أنظمة GPS، تتجه عدة دول إلى إحياء تقنيات ملاحية تقليدية وتطوير بدائل أرضية، منها:

 

مشروع R-Mode Baltic بتمويل من الاتحاد الأوروبي، ويعتمد على إشارات أرضية بدلًا من الأقمار الصناعية، بمشاركة دول مثل ألمانيا وبولندا والسويد وفنلندا.

 

نظام eLoran الذي نشرته بريطانيا منذ 2014، ويعتمد على موجات راديوية منخفضة التردد يصعب التشويش عليها.

 

أنظمة مماثلة يجري تطويرها في كوريا الجنوبية، والصين، والهند، والسعودية، والولايات المتحدة.

 

ويقول الباحث الألماني رالف زيبولد إن فريقه يعمل على جعل R-Mode متاحًا بشكل شبه عملي في الدول المشاركة بحلول عام 2026.

 

حرب صامتة.. لكنها خطيرة

تؤكد هذه التطورات أن حرب الأقمار الصناعية والتشويش الإلكتروني باتت واجهة جديدة للنزاعات الحديثة، وتهدد أمن الملاحة والطيران الدولي، خاصة في مناطق التماس بين الناتو وروسيا.

 

وبينما تواصل موسكو سياسة “الصمت اللاسلكي”، يتزايد الضغط على المجتمع الدولي لتصنيف هذه الهجمات ضمن أعمال عدائية تمس السيادة الرقمية للدول، مما يفتح الباب لمزيد من التحركات السياسية والدبلوماسية لمواجهتها.

أقرأ أيضا

إنهيار جزئى لعقار مجهور في روض الفرج بالقاهرة يثير الذعر بين الأهالي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى