الهند تفقد سلاحها الجوي في وقت السلم: أكثر من 100 طائرة و73 طيارًا في عشر سنوات.. لماذا تتحطم المقاتلات الهندية بهذه الكثافة؟
تدهور واقع الطيران العسكري في الهند.. مشكلة طائرات أم هناك سبب أخر؟

في بلد يُصنف كثالث أكبر قوة عسكرية في آسيا، ورابع أقوى اقتصاد في العالم، يبدو مشهد تحطم مقاتلة هندية خلال مهمة تدريب روتينية مألوفًا حدّ البلادة. فقدان الطائرات في سلاح الجو الهندي لم يعد حدثًا استثنائيًا، بل أصبح نمطًا متكرّرًا يشير إلى خلل منهجي عميق في بنية واحدة من أكبر القوات الجوية في العالم.
وفي حادث مأساوي جديد في 9 يوليو 2025، تحطمت طائرة “جاجوار” في ولاية راجاستان، ما أسفر عن مقتل طيارَين شابين. كانت هذه خامس حادثة تحطم لطائرة تابعة لسلاح الجو الهندي هذا العام فقط، وثالث حادثة تخص طراز “جاجوار” وحده.
ورغم أن هذه الكوارث لا تقع خلال الحرب أو المواجهة، فإن الحصيلة البشرية والمادية تجعل من الهند إحدى أكثر الدول تضررًا من حوادث الطيران العسكري في وقت السلم، ما يفتح الباب لأسئلة لا تتعلّق فقط بالتقنية والتدريب، بل أيضًا بالاستراتيجية والأولويات الوطنية.
أزمة متكررة: تحطم 104 طائرات خلال عشر سنوات
بين عامي 2015 و2024، خسر سلاح الجو الهندي 104 طائرات في حوادث غير قتالية، أي ما يعادل تقريبًا ستّ أسراب قتالية كاملة. وتزداد خطورة الرقم حين يُضاف إليه ما خسرته الهند منذ عام 2000، إذ يبلغ عدد الطائرات التي تحطمت منذ مطلع القرن أكثر من 255 طائرة، أي ما يعادل 14 سربًا قتاليًا.
طيارون في مرمى الفقد: 73 قتيلًا خلال عقد واحد
الخسارة لا تتوقف عند المعدّات. فبين عامي 2012 و2021، فقدت الهند 73 طيارًا عسكريًا في حوادث تحطم مختلفة، بمتوسط أكثر من سبعة طيارين سنويًا.
أما في عقد التسعينيات، فبلغ عدد القتلى 190 طيارًا، وفي الثمانينيات وصل إلى 230 طيارًا. هذه الأرقام، بحسب محللين، توازي أو تفوق خسائر بعض الدول خلال الحروب الشاملة.
مناورات بلا قتال: معظم الحوادث خلال المهام التدريبية
وفقًا لمنصة “Bharat Rakshak”، فقد خسر سلاح الجو الهندي 1,804 طائرات (باستثناء المروحيات) بين عامي 1948 و2025، لكن فقط 143 منها تحطمت في مهام قتالية، أي أن 92% من الحوادث وقعت خلال مهمات تدريبية أو اعتيادية.
وهذا يثير تساؤلات حول الكفاءة التشغيلية للجيش الهندي، وأيضًا عن معايير السلامة والصيانة والتدريب.
الـ”ميغ-21″: النعش الطائر
لا طائرة في التاريخ العسكري الهندي حصدت هذا الكم من السخرية والرعب مثل MiG-21.
تلقّب في الأوساط العسكرية بـ”التابوت الطائر” و”صانعة الأرامل”، وهي طائرة سوفيتية قديمة دخلت الخدمة قبل أكثر من خمسين عامًا.
من أصل 872 طائرة ميغ استوردتها الهند، تحطمت 482 طائرة، أي أكثر من النصف. وتشير الأرقام إلى أن 298 منها كانت من طراز “ميغ-21″، ما يجعلها أخطر طائرة مقاتلة في سجل سلاح الجو الهندي.
العدو الخفي: تآكل الأسطول وسوء التحديث
الهند لم تُخرج من الخدمة عددًا كبيرًا من طائراتها القديمة مثل Jaguar وMiG-21، في وقت تخلّت عنها دول مثل بريطانيا وفرنسا منذ سنوات.
لا تزال الهند تُشغّل أكثر من 100 طائرة جاجوار، وقرابة 28 طائرة ميغ-21، رغم إعلانات متكررة عن خطط تقاعدها.
وفي ظل هذا التأخير في التحديث، يستمر نزيف الطائرات والأرواح.
ليست الطائرات وحدها السبب: التدريب والموارد تحت المجهر
بالرغم من أن الطائرات القديمة تلعب دورًا بارزًا في سلسلة الكوارث، إلا أن المشكلة أعقد.
نقص المدربين المؤهلين،
ضعف الاستثمار في الطائرات التدريبية المتقدمة،
أعطال فنية متكررة،
أخطاء بشرية ناجمة عن إرهاق أو ضعف تأهيل،
كلها عوامل تُضاف إلى صورة قاتمة لواقع الطيران العسكري في الهند. ورغم إدخال طائرات تدريب مثل Pilatus PC-7 وHTT-40، فإن التأثير لا يزال محدودًا.
مقارنة قاتلة: أين الهند من المعايير العالمية؟
في التسعينيات، كان معدل حوادث الطائرات المقاتلة في الهند يتراوح بين 2.3 إلى 4 لكل 10,000 ساعة طيران، مقارنة بـ0.29 في الولايات المتحدة خلال نفس الفترة.
وفي السنوات الأخيرة، انخفض المعدل إلى نحو 0.7، لكنه لا يزال أعلى بكثير من المعايير الدولية، لا سيما لدى الدول التي تملك أساطيل جوية ضخمة مثل الصين أو الولايات المتحدة.
الطريق إلى الإصلاح: تحديث، تدريب، وشفافية
تحاول الهند مؤخرًا تحديث أسطولها عبر شراء مقاتلات من الجيل الرابع والخامس مثل Rafale، إلى جانب تطوير برنامج المقاتلة المحلية Tejas.
كما بدأت باعتماد أنظمة تدريب إلكتروني، واستحداث آليات مراقبة فنية، لكن التحدي الأكبر لا يزال في تنفيذ إصلاحات جذرية في الثقافة المؤسسية والسلامة التشغيلية.
وحتى يتحقق ذلك، سيظل طيارو الهند يدفعون ثمن أخطاء لا تُغتفر، في وقت السلم.