في طهران نسال:ما الذي حققته هذه الجنون للحياه في إيران أو اسرائيل او امريكا ؟
إيران بعد الهجوم الإسرائيلي: خوف، حيرة، وهشاشة مستقبل

في صباح اليوم الثالث عشر من الحرب، استيقظنا – نحن من تمكّن من النوم بعد ليلة الإثنين القاسية – على رسائل تقول إن هناك وقفًا لإطلاق النار. بدا الأمر كما لو أن جميع الأطراف تعلن النصر: ترامب تفاخر بغارات “جميلة” لطائرات B-2 على منشأة “فوردو” النووية المدفونة في عمق الجبال، ونتنياهو هلّل لضربات أنهت حلمه الممتد لثلاثة عقود، والحرس الثوري الإيراني احتفى برده العسكري “الناجح” على إسرائيل.
لكن ما نراه نحن داخل إيران مختلف تمامًا.
الخوف بلا صافرات إنذار
أمضينا أيامًا ونحن نتلقى تعليمات عبر مواقع التواصل: “في حال التعرض للإشعاع… غيّر ملابسك، استحم، الصق النوافذ”. لم تُطلق أي صافرة إنذار، ولا توجد لدينا ملاجئ كما في إسرائيل، رغم العداء المستمر منذ عقود. عشنا أسبوعًا من الذعر الصامت، نتعلّم فيه كيف يبدو صوت الحرب: دوي الصواريخ، وصوت الدفاعات الأرضية، والبقع الحمراء في السماء ليلًا.
الحيرة والخوف… ماذا بعد؟
في الأيام الأولى سيطر علينا الشلل العاطفي، ثم جنون التحضير: ما عدد زجاجات الماء؟ كم قميصًا أحتاج؟ متى أرحل؟ إلى أين؟ هل نحن أمام سيناريو شبيه بالعراق؟ ليبيا؟ هل هذه بداية النهاية؟ أصبحنا نتعامل مع حياتنا كحسابات هروب مؤقتة.
تُعيدنا الخريطة إلى جذورنا. أحد المستخدمين على منصة “إكس” رسم خريطة تُقسّم إيران إلى أعراق ومناطق. كتب بالعبرية: “لا وجود لدولة اسمها إيران”. هذه كانت لحظة إهانة جماعية. نحن أمة عمرها آلاف السنين، لم نأتِ من الخارج، نحن من هنا. تجاوزنا غزو الإسكندر، ومجازر جنكيز خان، والاجتياح العربي، وها نحن باقون، نحمل إرث فردوسي، وجلال الدين الرومي، وحافظ الشيرازي. في هذا الأسبوع، لجأ كثير منا إلى أشعار حافظ بحثًا عن بعض السلام الداخلي.
من ربيع طهران إلى جراحها
دفنا زوجة والدي في مقبرة جنوب طهران قبل ثلاثة أيام. الطريق التي كانت تعجّ بالسيارات بدت خالية بشكل مخيف، لكنها أيضًا جميلة بشكل لم أره من قبل. الهدوء غطى المدينة، والربيع استمر طويلًا هذا العام. إزهار إبر الجيرانيوم على شرفتي، وشجرة الكاكاو المثقلة بالثمر… كل ذلك بدا كأنه يودّعنا.
ورغم هذا الجمال العابر، لا يغيب السؤال الكبير:
ماذا جلب هذا الجنون لشعوب إيران، إسرائيل أو أمريكا؟
نتحدث عن الشعوب، لا عن الساسة المنتصرين في مؤتمراتهم الصحفية.
الكارثة القادمة: انتعاش المتشددين
ما فعلته إسرائيل بقصف المنشآت النووية، وبمساعدة ترامب، هو أنها منحت قبلة الحياة للتيارات المتشددة داخل إيران. تلك التي همّشها الشارع لسنوات، وقاومها الشباب في تظاهرات ومواجهات دامية. منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015، حلمنا بإعادة الارتباط بالعالم. ترامب دمر ذلك الحلم بجرة توقيع. والآن، قصف “خيري” آخر يعيد الأيديولوجيين من الظل إلى قلب المعادلة.
لا أحد يعلم ما سيأتي
شوارع طهران مليئة بالحواجز الأمنية، عناصرها مهذبة الآن، لكنها تذكّرنا بأيام القمع. لا نعلم هل ستنسى الجمهورية الإسلامية ما حدث في الأيام الماضية، أم ستبني عليه؟ هل يستطيع ترامب احتواء نتنياهو؟ هل هناك سيناريو يتصالح فيه الإيرانيون والإسرائيليون؟ لا شيء مستبعد… ولا شيء واضح.
لكن المؤكد أن إيران الآن بلد في حالة حرب، وأننا – شعبًا لا نظامًا – من يدفع الثمن الأكبر، كما هو الحال دائمًا.