ترمب يفرض موجة جديدة من الرسوم الجمركية: تصعيد اقتصادي يضرب الحلفاء والفقراء على حد سواء
ترامب يضرب الاقتصاد للحلفاء والفقراء على حد سواء

في خطوة تعكس استمرار توجهه نحو السياسات الاقتصادية الحمائية، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمرًا تنفيذيًا جديدًا بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و41% على واردات قادمة من عشرات الدول، من بينها دول حليفة تقليديًا للولايات المتحدة وأخرى تُعد من بين الأفقر في العالم.
وبحسب البيت الأبيض، فإن القرارات الجديدة ستدخل حيز التنفيذ خلال سبعة أيام، ما يمنح بعض الوقت لإجراء مفاوضات أخيرة مع الحكومات المتضررة. ورغم أن الإعلان أثار جولة جديدة من القلق الاقتصادي، فإن الأسواق المالية أبدت رد فعل محدودًا مقارنة بما حدث عند الإعلان عن الحزمة الأولى من الرسوم قبل ثلاثة أشهر.
رسوم متفاوتة تطال الجميع
القرار الجديد تضمن فرض رسوم بنسبة 25% على صادرات الهند، و20% على تايوان، و30% على جنوب أفريقيا، فيما واجهت سويسرا معدلًا أكثر قسوة وصل إلى 39%. وفي المقابل، منح ترمب المكسيك تمديدًا إضافيًا لمدة 90 يومًا للتوصل إلى اتفاق تجاري جديد، ما يُنظر إليه كمؤشر على رغبة في استكمال المفاوضات رغم التصعيد.
أما البرازيل، التي تخوض مواجهة دبلوماسية حادة مع واشنطن على خلفية محاكمة الرئيس السابق جايير بولسونارو بتهمة محاولة الانقلاب، فقد وُضعت تحت نظام مزدوج من الرسوم بلغ 10% عمومًا، و40% على سلع محددة.
اقتصاديات هشة تحت الضغط
اللافت في حزمة العقوبات الجديدة أن قائمة الدول المتضررة شملت عددًا من الدول النامية والواقعة في مناطق صراع، مثل سوريا (41%)، وميانمار ولاوس (40%)، وليبيا (30%)، والعراق (35%)، وسريلانكا (20%). حتى دولة ليسوتو الصغيرة في أفريقيا، التي تلقت تهديدًا سابقًا برسوم 50% في أبريل، طُبّق عليها معدل “مخفف” نسبيًا بنسبة 15%.
ويخشى مراقبون من أن تؤدي هذه الرسوم إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية في هذه البلدان، التي تعتمد على التصدير للأسواق الغربية، وبخاصة الأمريكية.
تصعيد ضد كندا لأسباب سياسية
ضمن الحزمة الجديدة، رُفعت الرسوم على الواردات الكندية من 25% إلى 35%، في تصعيد مرتبط ـ كما أوضح البيان الرسمي ـ بفشل أوتاوا في “التعاون” مع واشنطن بشأن ملف الفنتانيل، وهو مادة مخدرة قاتلة تنتشر في الأسواق الأمريكية. لكن المراقبين يشيرون إلى أن الخطوة قد تكون مرتبطة أيضًا باعتراف كندا مؤخرًا بدولة فلسطين، وهو قرار قوبل بغضب صريح من إدارة ترمب، التي اعتبرت أنه “يعرقل” أي تقدم في المحادثات التجارية.
أجندة سياسية بغطاء اقتصادي
يرى مراقبون أن الرسوم الجمركية أصبحت أداة ضغط جيوسياسي في يد ترمب أكثر منها سياسة اقتصادية بحتة. فالهجوم على البرازيل يأتي في إطار الدفاع عن بولسونارو، حليف ترمب، بينما الخطوات ضد كندا وسويسرا ترتبط بسياقات سياسية لا تتعلق مباشرة بالتجارة.
وفي هذا السياق، كتب عدد من المحللين أن ترمب “يُعيد تعريف السياسة الخارجية الأمريكية من خلال الاقتصاد، لكن على نحو ينذر بمزيد من المواجهات العالمية”، خاصة مع تجاهله الكامل لمبادئ منظمة التجارة العالمية والتقاليد الدبلوماسية.
تداعيات داخلية وخارجية
في الداخل الأمريكي، أعرب عدد من الاقتصاديين عن مخاوف من أن تؤدي هذه الرسوم إلى رفع الأسعار على المستهلك الأمريكي، في وقت لا تزال فيه معدلات التضخم محل جدل سياسي واقتصادي واسع.
أما خارجيًا، فقد تتسبب القرارات الجديدة في تفكك شبكات التجارة الإقليمية والعالمية، خصوصًا أن الإجراءات جاءت دون تنسيق مع الحلفاء الأوروبيين أو الآسيويين، ما يضعف النظام التجاري العالمي القائم على القواعد.
علامة على استمرار ترمب في نهجه
هذه الحزمة تمثل تطورًا لافتًا في سياسة ترمب التجارية، وتُظهر أنه لا ينوي التراجع عن أجندته “أمريكا أولًا“، بل يسعى إلى توسيع نطاقها، حتى على حساب علاقات بلاده مع أقرب شركائها. وبالنظر إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، يرى البعض أن هذا التصعيد قد يكون محاولة لإرضاء القاعدة الانتخابية التي تؤمن بسياسة الحماية الاقتصادية ومواجهة ما يعتبرونه “استغلالًا خارجيًا للاقتصاد الأمريكي”.