روسيا تنهي سياسة التريث وتلوّح بصواريخها: عودة الحرب الباردة؟
العالم على حافة تصعيد شامل: روسيا تتجه للتسلح النووي وإيران تُعد للحرب وأوروبا في مأزق أوكرانيا

في إعلان لافت يعيد الأذهان إلى أجواء الثمانينات، قررت موسكو رسميًا إنهاء العمل بالقيود الذاتية التي فرضتها على نفسها بعد انهيار معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى (INF)، معلنة بذلك فتح الباب أمام نشر صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في مناطق متعددة من العالم.
القرار الروسي يأتي كرد فعل مباشر على ما تعتبره انتهاكات متصاعدة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، خصوصًا بعد نشر واشنطن لمنظومة “تايفون” الصاروخية في الفلبين، والتي ظلت في البلاد رغم الادعاء بأنها جزء من مناورات مؤقتة، فضلًا عن خطط أمريكية مماثلة لنشر صواريخ متوسطة المدى في ألمانيا وأستراليا.
تحذيرات الخبراء الروس أكدت أن هذه الخطوة لا تعني بالضرورة سباق تسلح مباشر، بل تهدف إلى الضغط النفسي والسياسي على إدارة ترامب، وخصوصًا في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية وتصاعد الانتقادات الداخلية لسياساته الخارجية. ويُعتقد أن هذا التصعيد يضيف بُعدًا نوويًا جديدًا إلى الحرب الأوكرانية، ويعزز المخاوف من انزلاق العالم إلى مرحلة مواجهة نووية مستترة على غرار أزمة الصواريخ الكوبية أو أزمة الصواريخ الأوروبية في نهاية السبعينات.
أوروبا ومأزق التبعية العسكرية: هل تفشل خطة ترامب لتسليح كييف؟
في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرض مشروع توريد السلاح الأمريكي لأوكرانيا بغطاء أوروبي، تلوح في الأفق مؤشرات واضحة على وجود تردد داخل عواصم الاتحاد الأوروبي، إذ يعتبر كثيرون أن هذه الخطة ستفرض أعباء مالية متزايدة على ميزانيات دولهم، دون ضمانات استراتيجية حقيقية.
عدة دول أوروبية أعلنت دعمها الجزئي للمبادرة، مثل ألمانيا والدنمارك وهولندا، التي وعدت بتوريد أسلحة أمريكية لأوكرانيا بمئات الملايين من اليوروهات. لكن واقع الصناعات الدفاعية في أوروبا، المقترن بالقيود البيروقراطية داخل الاتحاد، يشير إلى أن الوعود شيء والتنفيذ شيء آخر.
تحليلات الخبراء ترى أن الخطط الأمريكية المعلنة تفتقر إلى الواقعية على المدى القصير، لا سيما في ظل تباطؤ الإنتاج العسكري الأمريكي، ومحدودية القدرة على تعويض النقص في المخزون الأوروبي. كما أن أي اتفاق سياسي محتمل لحل النزاع قد يؤدي إلى إعادة توزيع السلاح المقدم لكييف أو إجبارها على بيعه لتغطية ديونها.
إيران تفعّل آلية الطوارئ الدفاعية: مجلس حرب بديل عن الحوار مع واشنطن
في خطوة تُظهر تصاعد حدة التوتر الإقليمي، أعلنت طهران تشكيل مجلس دفاع وطني لأول مرة منذ عقود، وذلك في سياق الاستعداد لاحتمال اندلاع حرب جديدة مع إسرائيل، بعد توقف مؤقت للمحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة.
المجلس الجديد، الذي سيضم كبار قادة الجيش والحرس الثوري، يهدف إلى تسريع اتخاذ القرارات الأمنية والعسكرية في مواجهة أي تهديد خارجي، في ظل تراجع دور المجلس الأعلى للأمن القومي المعروف ببطء إجراءاته وتشعب صلاحياته.
هذا التحول يعكس تجربة الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا، حيث واجهت إيران صعوبات كبيرة في اتخاذ قرارات سريعة للرد على الهجمات الإسرائيلية. كما أن اغتيال عدد من كبار قادة الأركان الإيرانيين خلال تلك المواجهة عزز الشعور بالحاجة إلى مركزية القرار الدفاعي، بما ينسجم مع عقيدة “الردع الوقائي” التي تتبناها طهران.
غاز آسيا الوسطى: موسكو تبحث عن أسواق جديدة بعد خسارة أوروبا
في ظل التراجع الحاد لصادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، بدأت موسكو تركز جهودها على دول آسيا الوسطى كسوق بديلة، خاصة أن هذه الدول – كأوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان – تعاني من نقص في إنتاج الطاقة محليًا وارتفاع الطلب نتيجة النمو السكاني والتوسع الصناعي.
تحليلات الطاقة تشير إلى أن روسيا تمتلك البنية التحتية والقدرات اللوجستية لتلبية احتياجات هذه الدول، بشرط تطوير بعض الأنابيب القديمة وتحديثها. كما يُطرح خيار التبادل مع الصين من خلال صفقات “سواب” حيث تقدم روسيا الغاز إلى آسيا الوسطى مقابل أن تصدر هذه الدول الغاز المتبقي لديها إلى بكين.
ومع صعوبة تسويق الغاز الروسي في السوق الغربية، يبدو هذا التوجه خيارًا استراتيجيًا لموسكو للحفاظ على عوائد صادراتها، خصوصًا أن المسافات القصيرة وغياب العقوبات تجعل السوق الآسيوي أكثر جذبًا من الناحية التجارية.
الحدود الموروثة تشتعل: محادثات تايلاند وكمبوديا على صفيح ساخن
في كوالالمبور، انطلقت جولة جديدة من المحادثات بين تايلاند وكمبوديا برعاية الصين والولايات المتحدة وماليزيا، سعيًا لاحتواء أزمة عسكرية نشبت مؤخرًا على خلفية نزاع حدودي قديم يعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي وسيطرة سيام (تايلاند) التاريخية على مناطق من كمبوديا.
ورغم التوصل إلى وقف إطلاق نار بوساطة دولية، إلا أن الاتهامات المتبادلة بعدم الالتزام بالهدنة لا تزال تلقي بظلالها على المحادثات. ويرى الخبراء أن هذه النزاعات غالبًا ما تُستخدم في السياسة الداخلية لتوجيه الأنظار بعيدًا عن الأزمات الاقتصادية أو السياسية، كما هو الحال حاليًا في تايلاند التي تعاني من عدم استقرار حكومي وتراجع في مؤشرات النمو.
اختيار ماليزيا كمضيف للمفاوضات يعكس سعيها لإثبات دورها القيادي المؤقت داخل رابطة آسيان، التي ترى في هذا النزاع تهديدًا مباشرًا لوحدة الكتلة وتماسكها في مواجهة التصعيد الصيني-الأمريكي المتزايد في المنطقة.
اقرأ أيضاً…
بريطانيا تُعزز صناعتها الدفاعية وتُقلص الاعتماد على الولايات المتحدة
خاتمة: خطوط التماس تشتعل والبدائل تُستنزف
ما يجمع بين ملفات هذه المراجعة هو أن العالم يعود تدريجيًا إلى منطق “الصراع الصفري”، حيث تُبنى التحالفات على قاعدة التسلّح وسباقات النفوذ، فيما تزداد صعوبة التوصل إلى حلول سياسية قابلة للتطبيق. من الساحات النووية إلى أسواق الغاز، ومن النزاعات الحدودية إلى التحالفات العسكرية، تبدو المرحلة المقبلة مشوبة بتقلبات كبيرة، تتطلب يقظة إقليمية وتنسيقًا دوليًا حقيقيًا لتفادي مزيد من التدهور.