علوم وتكنولوجيا

ويل ستريت جورنال: كيف نتجنب أن يجعلنا الذكاء الاصطناعي أقل ذكاءً؟

لم يعد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي مجرد خيار جانبي في العمل أو الدراسة، بل تحول إلى ممارسة يومية لكثير من الناس. البعض لم يعد يتخيل كتابة تقرير أو صياغة فكرة دون الرجوع إلى منصات مثل ChatGPT أو غيرها. هذه الراحة الكبيرة تطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحن نخسر قدراتنا العقلية مع كل ضغطة زر؟

تشير الدراسات الحديثة وأبحاث علم النفس إلى أن الاستخدام المفرط لهذه الأدوات قد يؤدي إلى ضمور معرفي، أي فقدان تدريجي لمهارات التفكير والتحليل والإبداع. ومن هنا، تظهر الحاجة إلى إطار جديد للتعامل مع الذكاء الاصطناعي: لا باعتباره بديلاً للعقل، بل شريكًا مساعدًا.

 

إغراء السهولة ومخاطر الاعتماد المفرط

أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مغرية لأنها تقدم إجابات سريعة ومنظمة، تختصر الجهد وتتفادى صعوبة البداية. الدماغ البشري بطبيعته يحب هذه الاختصارات، لكنه يدفع ثمنًا باهظًا على المدى الطويل. على عكس الآلة الحاسبة أو الـGPS التي أثرت على مهارات محدودة، فإن هذه الأدوات قادرة على التأثير في مجموعة واسعة من القدرات الذهنية: التفكير النقدي، الذاكرة، والقدرة على ابتكار حلول من الصفر.

 

أولا: اكتب أولًا ثم اطلب من الذكاء الاصطناعي المساعدة

تشبه القدرات العقلية العضلات التي تضعف إذا لم تُستخدم. تشير دراسة على نحو ألف طالب إلى أن الذين اعتمدوا على ChatGPT في حل مسائل رياضية تفوقوا في البداية بنسبة 48%، لكن عندما خضعوا لاختبار من دون AI جاءت نتائجهم أقل بـ17% من زملائهم.

الحل هو صياغة الأفكار أولًا يدويًا ولو في نقاط سريعة، ثم استخدام الذكاء الاصطناعي للتوسيع أو الصقل. هذا التمرين يشبه العودة إلى صالة الرياضة بعد انقطاع، لكنه يحافظ على اللياقة الذهنية والثقة بالنفس.

 

ثانيًا: استخدم الذكاء الاصطناعي كمعلم لا كآلة إجابات

طلب الإجابة الجاهزة يضعف الذاكرة ويجعل الفهم مؤقتًا. دراسات أولية من MIT أظهرت أن الطلاب الذين كتبوا مقالات بمساعدة ChatGPT كان تذكرهم لما كتبوه أضعف لاحقًا.

الأسلوب الأمثل هو الاستفادة من الذكاء الاصطناعي كمدرّب بأسلوب سقراطي: اطلب منه أن يشرح خطوة بخطوة، ثم حاول إعادة صياغة الفكرة بلسانك. بهذه الطريقة يصبح التعلم أعمق وأكثر رسوخًا.

 

ثالثًا: توقف، دقّق، واستخدم قوائم فحص

الاعتماد المفرط على الآلة لا يضعف التفكير فقط بل يعرض صاحبه إلى انحيازات خطيرة. أبحاث أوروبية وأميركية أظهرت أن الموظفين الذين اعتمدوا بشكل كبير على أدوات الذكاء الاصطناعي كانوا أقل قدرة على التفكير النقدي.

وللتعامل مع ذلك، يمكن استعارة أساليب من الطب والطيران مثل “مهلة التشخيص” أو قوائم الفحص. قبل قبول أي ناتج من الذكاء الاصطناعي:

•أعد صياغة الفكرة بنفسك.

•اسأل: هل يمكن التحقق من ذلك؟

•ما الزوايا المفقودة؟

•هل هناك انحياز ضمني في المحتوى؟

هذه الأسئلة البسيطة تعزز التفكير النقدي والإبداعي بدلًا من الاستسلام لما تقوله الآلة.

 

رابعًا: جرب صيامًا رقميا عن الذكاء الاصطناعي

أكثر الطرق فعالية للحفاظ على القدرات الذهنية هي تخصيص فترات زمنية خالية من الذكاء الاصطناعي: ساعة، يوم، أو حتى مشروع كامل. هذه الفترات تعيد تدريب العقل على مواجهة المهام بنفسه.

لكن التحدي المؤسسي يظل قائمًا:

الجامعات لا تستطيع منع الطلاب كليًا من استخدام AI، وإلا خرجوا غير مهيئين لعالم يعتمد عليه.

الشركات تخاطر بفقدان مهارات موظفيها إذا اعتمدوا كليًا على أدوات جاهزة.

إذن الحل ليس الحظر، بل التوازن بين الاستفادة والحفاظ على القدرات الإنسانية الجوهرية.

 

الخاتمة: شراكة لا استبدال

الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يكون شريكًا ومُلهمًا ومسرّعًا للعملية الفكرية، لكنه يصبح خطرًا إذا تحول إلى بديل كامل للعقل البشري. المطلوب هو علاقة واعية تحافظ على مهاراتنا الأساسية، بحيث يبقى الإنسان هو المؤلف الحقيقي، فيما تظل الآلة مجرد أداة مساعدة.

 

إقرأ أيضا:

الايكونوميست: ازمه وقود خانقة تهدد روسيا : الطائرات الأوكرانية تضرب قلب صناعه التكرير

إسراء حموده ابوالعنين

إسراء أبو العنين صحفية مصرية «تحت التمرين»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى