الاقتصاد

تحرك حزب العمال بشأن صناعة الصلب البريطانية: خطوة جريئة نحو إحياء الصناعة

في خطوة مفصلية تعكس تحوّلًا في النهج الاقتصادي للحكومة البريطانية، أعلنت حكومة حزب العمال عن نيتها تأميم شركة “بريتش ستيل”، في واحدة من أكثر قراراتها جرأة منذ توليها السلطة. القرار، الذي جاء على خلفية أزمة متفاقمة في مصنع الصلب بمدينة سكونثورب، شمال إنجلترا، يمثل تخليًا واضحًا عن الرهاب التاريخي من “الملكية العامة”، الذي لازم السياسات البريطانية لعقود، منذ تخلت تاتشر عن مفهوم الدولة كفاعل اقتصادي رئيسي.

وبينما كانت آلاف الأسر مهددة بفقدان مصدر دخلها الوحيد، ومع تصاعد الشكوك حول نوايا المالك الصيني “جينغيي” الذي اتُهم بتعمد تجويع المصنع من المواد الخام، لم يكن أمام الحكومة خيار سوى التدخل الفوري لحماية ما تبقى من قطاع صناعي يُعد من ركائز السيادة الاقتصادية الوطنية.

تقرير The Guardian يصف هذه اللحظة بأنها اختبار حقيقي لقدرة الحكومة على إعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد، خاصة في ظل تزايد الدعوات لتوسيع سياسات التأميم لتشمل قطاعات أخرى كالمياه والطاقة والبنية التحتية. وبينما تحتدم النقاشات حول الكلفة والمخاطر، يلوّح كثيرون بأن ما يحدث هو بداية لعصر صناعي جديد، عنوانه: السيادة، والاستقرار، والتدخل الحكومي الواعي.

أزمة سكانثورب تُشعل فتيل الأزمة

انفجرت مدينة سكانثورب فرحًا بعد تدخل الحكومة لإنقاذ مصنع الصلب الشهير، الذي يضم أفران الصهر الشاهقة “ماري” و”فيكي” و”آني” و”بيسي”. ومع تعرض 20 ألف شخص للخطر، تصاعدت التوترات بعد أن أدت الشكوك حول المالك الصيني، “جينغي”، إلى قيام العمال بإغلاق المصنع وسط مخاوف من أعمال تخريب. ووفقًا لوزير الأعمال جوناثان رينولدز، رفضت شركة “جينغي” توفير ما يكفي من المواد الخام، مما يشير إلى إغلاق متعمد.

التحول عن رهاب التأميم

في حين كان التأميم من المحرمات سابقًا – حتى بالنسبة لحزب العمال في عهد توني بلير – إلا أن قادة حاليين مثل رينولدز وروب والتهام، المحافظ ورئيس مجلس شمال لينكولنشاير، يدافعون عنه الآن باعتباره سياسة عملية. وأكد والتهام: “عندما يفشل السوق، لا خيار أمامنا”. وجادل بأن الحكومة قد تحتاج إلى تشغيل المصنع لمدة ثلاث سنوات على الأقل للانتقال به إلى عمليات أكثر مراعاة للبيئة باستخدام أفران القوس الكهربائي.

الحاجة إلى استراتيجية جذرية للصناعة

يتزايد الدعم الشعبي للملكية العامة. ومع تزايد حالات فشل الخصخصة، مثل شركة “تيمز ووتر” – التي بلغت ديونها 16 مليار جنيه إسترليني – والتي أصبحت أمرًا لا يمكن تجاهله، تواجه حكومة حزب العمال لحظة حاسمة لإعادة تعريف استراتيجيتها الصناعية. ورغم أهمية مبلغ 2.5 مليار جنيه إسترليني المخصص لإنعاش صناعة الصلب، إلا أنه قد لا يكون كافيًا إذا لم تُطبّق إصلاحات أعمق بسرعة.

نحو صناعة سيادية وأمن اقتصادي

في نقاشٍ حماسيٍّ في مجلس العموم، طرح النائب ليام بيرن السؤال المحوري: “هل يُمكننا أن نعهد بأصلٍ وطنيٍّ بالغ الأهمية إلى شركةٍ لا نثق بها؟” تُسلّط خسائر شركة الصلب البريطانية اليومية البالغة 700 ألف جنيه إسترليني الضوء على الحاجة المُلِحّة لحماية الأصول الوطنية. أما التداعيات الأوسع نطاقًا، فهي ضرورة استعادة بريطانيا السيطرة على الصناعات الاستراتيجية والتخلي عن المعتقدات البالية حول الأسواق غير المُنظّمة.

الخلاصة: من الحوكمة التفاعلية إلى الحوكمة الاستباقية

إنّ خطوة حزب العمال لإنقاذ شركة الصلب البريطانية تتجاوز مجرد فرزٍ اقتصاديٍّ، بل هي خطوةٌ جريئةٌ نحو استعادة السيطرة السيادية على القطاعات الحيوية. وإذا ما تبعتها استراتيجيةٌ صناعيةٌ جذريةٌ وحديثةٌ وشراكاتٌ تجاريةٌ مُتجدّدة، فقد تُمثّل بدايةَ حقبةٍ جديدةٍ من المرونة الاقتصادية والملكية العامة في المملكة المتحدة.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى