عربي وعالمي

الوهم الكبير: هل فعلاً اتفاق تجاري مع ترامب سيغير قواعد اللعبة للمملكة المتحدة؟

اتفاق تجاري مع أمريكا؟ ليس على حساب القيم والنمو

تُروّج عبارة “عقدنا صفقة” على أنها علامة إنجاز سياسي أو اقتصادي، فهي تحمل في طياتها إيحاء بالنجاح والتفاهم. لكن في ميدان السياسة التجارية الدولية، وخاصة حين يتعلق الأمر باتفاق محتمل بين بريطانيا والولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، لا يكفي الاعتماد على هذا التصور المتفائل. فخلف بريق المصطلحات، تقف معادلات معقدة من المصالح والمخاطر، تتطلب قراءة واقعية بعيدًا عن الانبهار بالشكل أو الرغبة في تسجيل نقاط سياسية سريعة. وفقًا لتقرير الجارديان

خطوط حمراء لم تختفِ

حتى قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض واندلاع الحروب التجارية الحالية، كانت هناك تحفظات جدية بشأن شكل اتفاق التجارة الحرة مع واشنطن. فقد ظلت قضايا مثل تنظيم الأدوية، ومعايير الغذاء، والرقابة الرقمية نقاط خلاف جوهرية، تعكس اختلافات ثقافية وتنظيمية عميقة بين ضفتي الأطلسي. تلك الخطوط الحمراء ما زالت قائمة، وربما ازدادت وضوحًا في عهد ترامب.

صفقة مشروطة بإلغاء قوانين الكراهية؟

أثارت تصريحات منسوبة إلى نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس قلقًا واسعًا في لندن، إذ أفادت تقارير أن فانس قد يشترط إلغاء قوانين مكافحة خطاب الكراهية ضد مجتمع الميم كمقابل لاتفاق تجاري. إن صحت هذه المواقف، فإنها تكشف عن رؤية صدامية للعلاقات التجارية، حيث تتحول الاتفاقيات إلى أدوات ضغط سياسي واجتماعي.

الصفقة وفق رؤية ترامب: لا فائزَين

النهج الذي يتبناه ترامب في العلاقات التجارية لا يعترف بالحلول التوفيقية. في منظوره، الصفقة الجيدة هي التي تُكرّس هيمنته وتُظهر الطرف الآخر خاسرًا. وهذا النمط من التفكير لا ينبع من رغبة في تحقيق المصالح المشتركة، بل من رغبة في فرض الإرادة. ويكمن خطر ذلك في أن بريطانيا، مدفوعة بأوهام كونها “جسرًا” بين أوروبا وأمريكا، قد تجد نفسها خاسرة في لعبة صفرية.

تاريخ يعيد نفسه: من تشامبرلين إلى ترامب

ليست هذه أول مرة يُستخدم فيها مفهوم الاتفاقات الثنائية لتعزيز الهيمنة. قبل الحرب العالمية الأولى، حاول جوزيف تشامبرلين الدفع ببريطانيا إلى رفض التجارة الحرة لصالح صفقات أحادية وفق شروطها. واليوم، يتبنى ترامب نفس النهج، لكن من موقع القوة العالمية. ومع ذلك، فشل تشامبرلين، ومن المرجح أن يلقى ترامب المصير ذاته.

تدمير النظام التجاري العالمي؟

يبدو أن الهدف الأكبر لترامب هو تفكيك نظام التجارة العالمي القائم على قواعد ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي وإن كان منحازًا أحيانًا للولايات المتحدة، فإنه أتاح نموًا تجاريًا عالميًا واسعًا. ترامب يسعى إلى استبدال هذا النظام بنموذج يقوم على فرض الإرادة بالقوة، حيث تسود قاعدة “القوي على حق”.

اتفاق دفاعي وليس استراتيجيًا

هذا لا يعني رفض أي شكل من أشكال التعاون التجاري مع أمريكا. فقد يكون هناك مجال لاتفاق محدود يخدم مصالح محددة. لكن من الخطأ النظر إليه كمفتاح للازدهار الاقتصادي البريطاني. فالاتفاق مع إدارة ترامب يجب أن يكون تكتيكيًا لحماية قطاعات معينة، وليس خطوة استراتيجية نحو النمو.

أوروبا لا تزال الأمل الاقتصادي الأهم

حتى في ذروة الترويج لاتفاق مع واشنطن خلال عهد بوريس جونسون، لم يكن متوقعًا أن يكون له تأثير اقتصادي كبير – بالكاد أجزاء من نقطة مئوية على مدار عقد. أما إعادة تحسين العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي فتبقى أكثر وعدًا، من حيث الحجم والتأثير على النمو.

الخيار الحاسم أمام ستارمر

زعيم حزب العمال، كير ستارمر، يكرر أن بريطانيا ليست مضطرة للاختيار بين أمريكا وأوروبا. لكن في نظر ترامب، أي تقارب مع أوروبا هو بمثابة انحياز ضد واشنطن. وهذا ما يزيد الضغوط على ستارمر، خاصة في ظل اهتمام حكومته المحتمل بإعادة مواءمة المعايير الغذائية مع الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة قد تُفسر على أنها تحدٍ مباشر لإدارة ترامب.

 الأولوية للنمو، لا للرمزية

بالنسبة لحكومة تسعى إلى تحقيق نمو اقتصادي عادل كما تعلن دومًا، فإن إعادة الانفتاح على أوروبا قد تستحق التضحية باتفاق مع الولايات المتحدة. فالحكم يعني اتخاذ قرارات صعبة – وقد يكون التخلي عن الصفقة مع ترامب واحدًا منها.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى