هارفارد في وجه العاصفة: هل تقوى أقدم جامعات أمريكا على مجابهة ترامب؟
مقدمة المواجهة: من حلبة الـUFC إلى ساحات التعليم

بالتزامن مع ظهوره اللافت في أولى فعاليات “بطولة القتال النهائي” (UFC) خلال ولايته الجديدة، لم يكتفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاستعراض داخل الحلبة، بل افتتح مواجهة سياسية شرسة خارجها، مع خصم غير تقليدي: جامعة هارفارد.
هذه المؤسسة، التي يعود تأسيسها إلى عام 1636، سبقت ميلاد الولايات المتحدة نفسها بقرن ونصف تقريبًا، وتُعد الأعرق بين نظيراتها في البلاد. لكنها لا تكتفي بتاريخها العريق؛ فبثروة تتجاوز 53 مليار دولار – أي أكثر من الناتج المحلي لقرابة مئة دولة – تحتل هارفارد موقعًا نادرًا بين النخب الأكاديمية والمالية على السواء.
في هذه الجولة الجديدة من الصراع بين السلطة التنفيذية والصرح الأكاديمي، لا تبدو المعركة عادلة ولا عابرة، بل مواجهة محورية بين نزعة التحكم السياسي ومبدأ الاستقلال الجامعي. فحين يختار ترامب استهداف واحدة من أقوى مؤسسات التعليم في العالم، فإن تبعات المعركة تتجاوز هارفارد لتطال مستقبل التعليم العالي الأمريكي بأسره.
شروط تعجيزية: إدارة ترامب تشهر سيف التدخل
في خطوة تصعيدية، أرسلت الإدارة الأمريكية مذكرة من خمس صفحات إلى رئيس الجامعة، آلان غاربر، تفرض شروطًا وصفت بأنها “غير قابلة للقبول” أكاديميًا:
-
فرض رقابة حكومية على آلية القبول
-
منع استقطاب الطلاب الدوليين “المعادين للقيم الأمريكية”
-
فرض “تنوع في وجهات النظر” ضمن التعيينات الأكاديمية، وهو توصيف مموه للرقابة الأيديولوجية
ورغم محاولات هارفارد السابقة لتقديم تنازلات، جاء الرد أخيرًا من غاربر صريحًا: “لن نتنازل عن استقلالنا ولا عن حقوقنا الدستورية”.
التصعيد المالي: معركة البقاء تبدأ
إدارة ترامب بدأت العقوبات مباشرة بتجميد 2.3 مليار دولار من التمويل الفيدرالي، مع تهديدات بوقف كامل للدعم الحكومي البالغ 9 مليارات دولار وسحب الإعفاء الضريبي للجامعة – وهي ضربات موجعة حتى لمؤسسة غنية كهارفارد.
لكن الضرر الأكبر قد يصيب الجامعات الأخرى، الأقل قدرة على الصمود. أكثر من 60 جامعة وُضعت تحت المجهر بتهم تتعلق بـ”معاداة السامية في الحرم الجامعي”، في حملة تُظهر توجهًا نحو فرض رقابة أوسع على مؤسسات التعليم العالي.
منطق المقاومة: هارفارد تتسلح بالقانون والرأي العام
رد هارفارد لن يقتصر على البيانات. الرئيس غاربر لمح إلى احتمال مقاضاة الإدارة الفيدرالية بانتهاك التعديل الأول من الدستور وخرق قانون الحقوق المدنية لعام 1964. كما استعانت الجامعة بشركة ضغط تربطها علاقات سابقة بترامب، في مسعى للتأثير على الجمهوريين في الكونغرس.
لكن المعركة الأساسية ستكون في ميدان الرأي العام. تقول دانييل آلن من كلية كينيدي في هارفارد إن اللحظة تتطلب “عقدًا اجتماعيًا جديدًا بين الجامعات والشعب الأمريكي”. آلن، التي فقدت تمويلاً قدره 6 ملايين دولار بسبب حملة تقشف قادها إيلون ماسك، دعت إلى حملة شكر وطنية للناخبين، بدلًا من الاكتفاء بالدفاع المؤسسي.
استراتيجية “العرض المعاكس”: هارفارد ترد بالفخر والإنجاز
اختارت هارفارد الهجوم عبر استعراض إنجازاتها:
-
أول برنامج ماجستير في إدارة الأعمال (1908)
-
أول عملية زرع أعضاء (1954)
-
أول معالج كمومي (2023)
-
علاج لأمراض الدم، أبحاث في التوحد، والسرطان
-
وبتلميح ساخر، ذكرت الجامعة أن مبتكر أول “تي الغولف” عام 1899 كان طبيبًا أسودًا من خريجيها – وهي إشارة رمزية تحمل طيفًا من الرسائل المبطنة
ترامب يرد… على طريقته
في المقابل، لم يتأخر ترامب في الرد، واصفًا الجامعة بـ”النكتة”، متهماً إياها بترويج “الكراهية والغباء” ودعم “الإرهاب والمرض”. هذه الهجمات تلقى صدى واسعًا بين أنصاره، وتلامس أزمة حقيقية تواجه التعليم العالي الأمريكي: تراجع الثقة، وارتفاع التكاليف، واتساع الفجوة بين الجامعات والطبقة الوسطى.
وفقًا لاستطلاعات Gallup، تراجعت الثقة في التعليم العالي من 57% عام 2015 إلى 36% فقط عام 2024، بالتوازي مع ارتفاع تكلفة الدراسة في هارفارد لما يقارب 90 ألف دولار سنويًا.
الطريق إلى الأمام: الوقت ليس في صالح هارفارد
مع دخول الجولة الثانية من هذه المعركة، يتوقع أن يضاعف ترامب هجماته، مستهدفًا الصورة النخبوية لـ”الجامعات الليبرالية المنفصلة عن الواقع الأمريكي”. المفارقة أن كبار معاونيه – من ميلر إلى نائب الرئيس جاي دي فانس – هم أنفسهم خريجو هذه المؤسسات التي يهاجمونها.
وفقًا للأستاذ رايان إنوس من هارفارد:
“عندما يهاجم المستبدون حرية التعبير في الجامعات، فهم يهاجمون جوهر النظام الذي يحمي الحرية في الولايات المتحدة.”
واختتم بتحذير واضح:
“إذا لم تستطع هارفارد – المحصنة بتاريخها وثروتها – أن تصمد، فلن يتمكن أحد.”
هل ستثبت هارفارد أنها “أكبر من أن تُهزم”، أم أن سطوة السلطة التنفيذية ستنجح في تركيع المؤسسة الأكاديمية الأشهر في العالم؟ الأيام القادمة ستكون حاسمة، ليس فقط لمستقبل هارفارد، بل لمستقبل التعليم العالي الأمريكي بأكمله.