حوادث وقضايا

شاب غريق منذ 5 أيام..وغياب فرق الإنقاذ يثير الغضب في راس البر

غياب فرق الإنقاذ على شواطئ رأس البر يفتح النار على المسؤولين ويكشف خلل منظومة السلامة في المناطق السياحية

في مدينة رأس البر السياحية، المشهورة بشواطئها وموسمها الصيفي النشط، لفظ البحر اسمًا جديدًا.. “أحمد حمدي”. شاب في عمر الزهور، لم يكن يحمل سوى طموح الدراسة في جامعة المنصورة، حيث يدرس في الفرقة الأولى، ويسكن في مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية. جاء إلى البحر هربًا من حرارة الصيف، فلم يكن يعلم أن الموج سيبتلعه، وأن الدولة لن تخرج له يدًا تنقذه أو تنتشل جثمانه.

خمسة أيام مرت كالجحيم على أسرته، وهم يقفون على شاطئ البحر، يحدقون في الأفق، ينادون عليه وكأن قلوبهم ستُخرج صوته من الأعماق. لكن لا صوت يسمع، ولا أحد يتحرك. أحمد لم يعد بيننا، وجثمانه لم يُنتشل، وكأن الدولة نفسها قررت أن تودعه في صمت.

مشهد يفطر القلوب.. ولا مسؤول يتحرك

المشهد على الشاطئ لا يصدق. أب مكلوم ينادي باسم ابنه، أم ترفع عينيها للسماء وتنتظر معجزة، إخوة وأصدقاء يغرقون في الحزن أكثر مما غرق أحمد في البحر. الكل يراقب، والكل يبكي، لكن لا وجود لغواص حكومي، ولا لإنقاذ من أي جهة مسؤولة.

ما جرى كارثة بكل المقاييس، لأن البحر كان حاضرًا، والموت كان حاضرًا، وأهل الشاب كانوا حاضرين، لكن الدولة كانت غائبة. هل يُعقل أن شاطئًا سياحيًا معروفًا مثل رأس البر لا يضم وحدة إنقاذ دائمة؟ هل يعقل أن حياة شاب تُترك للمجهول، ويُطلب من أهله دفع آلاف الجنيهات لجلب غواص خاص؟!

الإنقاذ لمن يملك المال فقط؟

الصادم في القصة لم يكن فقط غياب فرق الإنقاذ، بل الفاجعة الأكبر كانت في اضطرار أهل أحمد للبحث عن غواص خاص، بعد أن قيل لهم صراحة: “الإنقاذ مش ببلاش، ادفعوا 10,000 جنيه عشان نطلع الجثة!”. هذه الجملة وحدها كفيلة بإشعال ثورة أخلاقية. هل أصبح من يُغرق ابنه في البحر مطالبًا بأن يدفع ثمن إخراجه؟ هل تحوّلت أرواح الناس إلى سلعة تُدار بمنطق “ادفع نتحرك، ما تدفعش خلي ابنك في الميّه”؟

دولة بحجم مصر.. ولا إنقاذ على الشواطئ؟

مصر بلد محاطة بالمياه من كل جانب: نهر النيل، البحرين الأحمر والمتوسط، قناة السويس، ومئات الشواطئ الممتدة على السواحل. ومع ذلك، لا توجد منظومة وطنية موحدة لفرق إنقاذ مدربة، منتشرة ومجهزة، جاهزة للتدخل في أي لحظة.

أين خطة وزارة الداخلية؟ أين استراتيجيات وزارة السياحة؟ أين دور المحليات؟ أين دور القوات البحرية والدفاع المدني؟ أليس من المفترض أن تكون هناك خطة واضحة لتأمين الشواطئ؟ كيف نروج لمصر كوجهة سياحية آمنة، بينما أبسط وسائل الحماية من الغرق غير متوفرة؟

الفرق بين مواطن بسيط وابن مسؤول

الناس لم تعد تثق في عدالة الفرص. الكل يسأل: ماذا لو كان أحمد نجل مسؤول كبير؟ هل كان سيظل في البحر لخمسة أيام؟ هل كان أهله سيُجبرون على جمع تبرعات لدفع أجر غواص خاص؟ أم كانت الدولة كلها ستتحرك، وتصل الغواصات والطائرات وتُغلق الشواطئ حتى يظهر الجثمان؟

هذه الأسئلة قاسية، لكن لا مفر من طرحها. لأن الواقع يقول إن المواطن البسيط يدفن مرتين: مرة في البحر، ومرة في صمت الدولة.

من المسؤول؟ ومن سيُحاسب؟

حتى الآن، لا أحد خرج ليشرح، ليعتذر، ليعترف. لا بيان رسمي من وزارة الداخلية، لا تحرك من محافظ دمياط، لا موقف واضح من هيئة السياحة. الصمت هو سيد الموقف، وكأن أرواح المواطنين لا تساوي حتى بيان تعزية أو توضيح.

الناس تطالب الآن بـ:

معرفة المسؤول عن غياب فرق الإنقاذ.

إنشاء وحدات دائمة على كل الشواطئ.

تدريب شباب المحافظات الساحلية كغواصين معتمدين.

تفعيل آليات تدخل سريع لحوادث الغرق.

لن يهدأ البحر حتى تتحقق العدالة

أحمد لم يكن مجرد شاب غرق في البحر. أحمد أصبح رمزًا لغياب الدولة حين تُطلب، ولغياب الكرامة حين تُباع أرواح الناس في مزادات التهاون. هذه المأساة يجب أن تكون لحظة فاصلة، لإعادة ترتيب الأولويات. فحياة الناس ليست أقل أهمية من المؤتمرات والمهرجانات والمشروعات الضخمة.

إن الدولة التي لا تستطيع إنقاذ مواطنيها من البحر، كيف ستحميهم من أزمات أكبر؟

والمسؤول الذي لا يشعر بدمعة أم، لا يستحق أن يبقى في مكانه يومًا واحدًا.

العدالة لأحمد حمدي.. والكرامة لكل مواطن

النداء الآن ليس فقط لاستعادة جثمان أحمد، بل لاستعادة قيمة الإنسان في بلدنا. نريد وطنًا لا يترك أبناءه في البحر، لا يسعر أرواحهم، ولا يُسلمهم لمقاولين الإنقاذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى