من الحليف إلى الصدمة: قصة صعود التوتر بين أمريكا وأوروبا
التحالف الأطلسي يتصدع: واشنطن تنسحب من المشهد

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير، لم يكن قادة أوروبا يجهلون التحديات المقبلة، لكنهم لم يتوقعوا هذا الزلزال السياسي. خلال أسابيع قليلة فقط، قلبت قرارات ترامب الموازين التقليدية، ودفعت بعض العواصم الأوروبية إلى التساؤل علنًا: هل أصبحت الولايات المتحدة تهديدًا بدلًا من أن تكون حليفًا؟
ضربات متتالية: السياسة الخارجية الأميركية بلا خطوط حمراء
من سياسة تجاه غزة، إلى مفاجآت بشأن جرينلاند، إلى إعادة تعريف الدعم لأوكرانيا، لم تترك إدارة ترامب الجديدة مجالًا للتهدئة. لكن الرسالة الأوضح جاءت سريعًا: أوروبا لم تعد تحت المظلة العسكرية الأميركية كما في السابق، بحسب POLITICO.

التوتر في بروكسل: ضربة أولى من وزير الدفاع الأميركي
في منتصف فبراير، وصل وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إلى بروكسل حاملاً خبرًا سيئًا: على أوكرانيا التخلّي عن حلم استعادة أراضيها كاملة. تصريحات هيغسيث لم تكن مجرد رأي سياسي، بل بداية انحدار ثقة أوروبا في الضمانات الأميركية.

ترامب وبوتين: اتصال قصير، نتائج زلزالية
تزامنًا مع زيارة هيغسيث، تسربت تفاصيل مكالمة بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. نشر ترامب على Truth Social: “اتفقنا على العمل معًا بشكل وثيق”، مُعلِنًا بدء مفاوضات تشمل استدعاء زيلينسكي لإبلاغه فحوى الحديث. خطوة فُسرت في أوروبا كرسالة تخلي تام عن أوكرانيا.

قمة ميونيخ: نائب الرئيس يُصعّد من الداخل
في مؤتمر ميونيخ للأمن، لم يخفِ نائب الرئيس ج. د. فانس مواقفه الشعبوية: العدو ليس روسيا، بل التهديد الداخلي لأوروبا نفسها، من وجهة نظره. انتقاد مباشر للديمقراطية، والهجرة، والحريات الدينية أشعل غضب الحضور، وأدخل أوروبا في حالة تأهب دبلوماسي.

تحركات مرتجلة: باريس تتصدر الواجهة
ردًا على التصعيد الأميركي، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قمة طارئة في باريس يوم 17 فبراير. على مدار أسبوعين، تلاحقت اللقاءات بين زعماء أوروبا في محاولات محمومة للرد على التهديد المزدوج: روسيا في الشرق، وواشنطن في الغرب.
ستارمر يتدخل: عرض بريطاني لإرسال قوات
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أعلن استعداده لإرسال قوات بريطانية إلى أوكرانيا كجزء من قوة لحفظ السلام. خطوة غير مسبوقة منذ عقود، هدفت لاستعادة ثقة أوروبا وإعادة التوازن في مواجهة واشنطن المتقلبة.

اللقاء مع ترامب: صدمة دبلوماسية
ستارمر، بعد استعدادات دقيقة، التقى ترامب في واشنطن حاملاً رسالة من الملك تشارلز لدعوته إلى زيارة رسمية. لكن ترامب فجّرهَا بوضوح: “لسنا مستعدين لتقديم ضمانات أمنية”. الرد الصادم جاء خلال الرحلة الجوية، وقلب خطط بريطانيا رأسًا على عقب.
زيلينسكي يدخل المشهد: التفاوض تحت النار
عندما وصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن، كان الأمل يحدوه بإقرار صفقة حول الموارد المعدنية مع بعض الضمانات الأمنية. لكن اللقاء تحول إلى مشادة حادة بعد إصراره على تلك الضمانات، ما اعتُبر إهانة دبلوماسية في قلب البيت الأبيض.

أوروبا تتعامل بمفردها: رسالة واضحة من واشنطن
خلال الأسبوعين التاليين، كانت الرسالة من إدارة ترامب صارخة، كما ذكرت POLITICO: “تدبروا أموركم بأنفسكم”. حتى زيارات البرلمانيين الأوروبيين إلى واشنطن قُوبلت بالإلغاء، ما يعكس حجم التباعد المتسارع بين ضفتي الأطلسي.

المشهد الأخير: مستقبل ضبابي، وتحالفات في مهب الريح
بينما كان ستارمر في طريق عودته إلى لندن، كان ماكرون يعقد عشاءً خاصًا مع المستشار الألماني المنتظر فريدريش ميرتس، الذي أعلن: “يجب أن نعتمد على أنفسنا”. التحوّل من التبعية إلى الاستقلال الاستراتيجي قد يكون بداية مرحلة جديدة في السياسة الأوروبية – مرحلة لا تتضمن الولايات المتحدة بالضرورة.