الوكالات

قضاة فيدراليون قلقون من فقدان الحماية الأمنية تحت إدارة ترامب

أبدى عدد من القضاة الفيدراليين الأميركيين قلقاً متزايداً من احتمال سحب الحماية الأمنية التي توفّرها الحكومة، في ظل عودة الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم. وحسب ما أوردته The New York Times، فإن هذا القلق لم يعد مجرد افتراض بعيد، بل بات مصدر توتر حقيقي داخل أروقة السلطة القضائية.

وخلال جلسة خاصة للمؤتمر القضائي عقدت في العاصمة واشنطن، طُرح سيناريو وُصف قبل أسابيع فقط بأنه أقرب إلى الخيال، يتعلّق بإمكانية تعرّض القضاة الفيدراليين لتهديدات فعلية دون حماية رسمية. واعتبر بعض القضاة أن تصاعد الخطاب السياسي المعادي للقضاء، خاصة من قبل شخصيات نافذة، قد يفتح الباب أمام موجة من الاستهدافات المباشرة.

وتثير هذه التطورات أسئلة دستورية حساسة حول استقلالية القضاء وضمان أمنه في وجه التأثيرات السياسية، خصوصاً في مرحلة تشهد انقسامات داخلية حادة. كما تؤكد هذه المخاوف حجم التحديات التي قد تواجه النظام القضائي الأميركي في السنوات المقبلة، إذا ما تم تسييس الحماية الأمنية أو استخدامها كورقة ضغط.

قلق غير مسبوق داخل المؤتمر القضائي

في 11 مارس، اجتمع نحو 50 قاضياً في واشنطن لحضور الاجتماع نصف السنوي للمؤتمر القضائي، وهو الهيئة المشرفة على تنظيم العمل في المحاكم الفيدرالية. وعلى الرغم من جدول الأعمال المعتاد، شغلت مسألة أمن القضاة جزءاً كبيراً من النقاشات خلف الأبواب المغلقة، بحسب ما أفاد به عدد من الحاضرين.

وفي إحدى الجلسات، طرح القاضي ريتشارد جي. سوليفان، رئيس لجنة أمن القضاة في المؤتمر، سيناريو غير مسبوق: ماذا لو قرر البيت الأبيض سحب الحماية الأمنية المخصصة للقضاة؟ وقد استند القاضي إلى سابقة اتخذها ترامب بسحب الحماية عن مسؤولين سابقين مثل مايك بومبيو وجون بولتون، متسائلاً: “هل يمكن أن تكون السلطة القضائية الفيدرالية الهدف التالي؟”

مايك بومبيو، وزير الخارجية السابق لترامب، في ناشيونال هاربور، ماريلاند، عام ٢٠٢٣. صرّح متحدث باسم البيت الأبيض بأن قرار ترامب برفع الحماية الأمنية عن المسؤولين السابقين لا يؤثر على تعامله مع القضاة.

تهديدات متزايدة ونقص في التمويل

الإحصاءات الرسمية الصادرة عن خدمة المارشالات الأميركية تظهر أن عدد التهديدات التي استهدفت القضاة تضاعف أكثر من مرتين بين عامي 2019 و2024. وقد ترافق ذلك مع أزمات سياسية حادة، كرفض ترامب نتائج انتخابات 2020، وتسريب قرار المحكمة العليا بإلغاء حق الإجهاض في 2022، والذي أعقبه محاولة اغتيال فاشلة ضد القاضي بريت كافانو.

ورغم هذه الزيادة الحادة في التهديدات، ظل تمويل الحماية القضائية على حاله تقريباً، حيث لم يتجاوز 1.34 مليار دولار في 2024 مقارنة بـ1.26 مليار في 2022، دون أن يأخذ في الحسبان معدلات التضخم وارتفاع الأجور.

السيد ترامب مع مستشاره للأمن القومي جون بولتون، على اليمين، في البيت الأبيض عام 2018. وقد أزال الرئيس الحماية الأمنية للسيد بولتون.

التداخل بين السلطتين التنفيذية والقضائية

يعود الإشراف على خدمة المارشالات إلى وزارة العدل، التي تتبع مباشرة للسلطة التنفيذية. وهذا ما يثير قلق العديد من القضاة، خصوصاً في ظل توجه إدارة ترامب لإعادة توظيف المارشالات في أدوار جديدة، منها تنفيذ قوانين الهجرة، وهو ما قد يؤثر على جاهزيتهم لحماية القضاة، بحسب مذكرة تحذيرية كتبها القاضي إدموند تشانغ.

من الناحية القانونية، فإن مهمة المارشالات الأساسية هي تنفيذ أوامر المحاكم الفيدرالية، بما في ذلك توقيف المسؤولين التنفيذيين في حال رفضهم الامتثال للأحكام القضائية. وفي هذا السياق، تساءل القاضي المتقاعد بول دبليو. غريم: “ماذا سيحدث إذا طُلب من المارشالات تسليم مذكرة ازدراء لمسؤول تنفيذي رفيع؟ لمن ستكون ولاؤهم؟”

المحكمة العليا في واشنطن. بعد تسريب حكمها في قضية رو ضد وايد عام ٢٠٢٢، حاول رجل مسلح اغتيال القاضي بريت م. كافانو في منزله.

مؤشرات على أزمة دستورية وغياب الثقة

حذّر رونالد ديفيس، المدير السابق لخدمة المارشالات، من احتمال حدوث “أزمة دستورية إذا ما رفض رئيس الجمهورية تنفيذ أوامر القضاء الفيدرالي”. كما دعا إلى ضرورة حماية استقلالية الجهاز الأمني المسؤول عن القضاة، منعاً لأي تدخل سياسي محتمل.

اللافت أن هذه الهواجس لا تقتصر على القضاة وحدهم، بل بدأت تحظى باهتمام بعض أعضاء الكونغرس. فقد صرح النائب الديمقراطي إريك سوالويل بأنه يعمل حالياً على إعداد مشروع قانون ينقل سلطة الإشراف على أمن القضاة إلى السلطة القضائية نفسها، بعيداً عن تأثيرات البيت الأبيض.

اجتمع نحو 50 قاضيًا في واشنطن لحضور الاجتماع نصف السنوي للمؤتمر القضائي، الذي يشرف على إدارة المحاكم الفيدرالية. وكان هذا أول اجتماع للمؤتمر منذ عودة السيد ترامب إلى البيت الأبيض.

شواهد ميدانية على تصاعد الخطر

منذ يناير، ومع بداية ولاية ترامب الجديدة، شهد القضاة وعائلاتهم موجة من المضايقات، من بينها بلاغات كاذبة عن وجود قنابل في صناديق بريدهم، ووصول عشرات البيتزات إلى منازلهم دون طلب مسبق، في إشارة مقلقة إلى أن الجهة المهدِّدة تعرف أماكن سكنهم.

كما أشار رون زايس، الرئيس التنفيذي لشركة “Ironwall” المتخصصة في حماية البيانات والمسؤولين، إلى أن عدد القضاة الذين تعاقدوا مع شركته لخدمات الحماية الطارئة ارتفع أكثر من أربعة أضعاف منذ بداية هذا العام، مع استخدام عدد منهم أموالهم الخاصة لتعزيز أمنهم الشخصي.

الرئيس ترامب في المكتب البيضاوي الأسبوع الماضي. منذ توليه منصبه في يناير/كانون الثاني، دأب هو وأنصاره على إهانات القضاة على مواقع التواصل الاجتماعي، ودعوا إلى عزلهم.

خطط تقليص الجهاز الأمني تثير مخاوف إضافية

في خطوة مفاجئة، أرسل القائم بأعمال مدير المارشالات، مارك بيتيلا، رسالة إلى أكثر من 5,000 موظف في الجهاز الأمني يتيح فيها التقاعد الطوعي مقابل إجازة مدفوعة لأربعة أشهر، كجزء من خطة ترشيد حكومية مدعومة من مشروع يُعرف باسم “كفاءة الحكومة”، الذي يشرف عليه رجل الأعمال إيلون ماسك.

ورغم تأكيد المتحدث باسم الجهاز أن هذا العرض يشمل جميع الموظفين بمن فيهم من يعملون في حماية القضاة، أثارت الخطوة قلقاً إضافياً بشأن قدرة الجهاز على الاستجابة للتهديدات المتزايدة.

نحو إعادة النظر في البنية الأمنية القضائية

أعادت هذه التطورات إحياء نقاش قديم حول ضرورة تعديل الهيكل الإداري للمارشالات. ففي تقرير صدر عام 1982 عن مكتب المحاسبة الحكومي، وُصفت الترتيبات القائمة بأنها “غير قابلة للتطبيق عملياً”، ودُعي حينها لنقل إشراف الجهاز إلى القضاء. واليوم، ومع تصاعد المخاطر والانقسامات بين السلطات، يبدو أن هذا الخيار يعود مجدداً إلى طاولة النقاش التشريعي.

في خضم هذا المشهد المتوتر، تلوح في الأفق أسئلة دستورية كبرى تتعلق باستقلال القضاء، وموقع المارشالات في المعادلة الفيدرالية، وما إذا كانت المؤسسات الأميركية قادرة فعلاً على الصمود أمام اختبار السلطة التنفيذية المتزايدة.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى