
انتهاك حقوق المهاجرين: سياسة الإقصاء بدل العدالة
شكّلت قضية الهجرة أحد أكثر الجبهات إثارة للجدل في سياسة ترامب المبكرة، حيث بدا أن البيت الأبيض يتبنى استراتيجية تقوم على تهميش المعايير القانونية والإنسانية التي طالما ارتبطت بالتعامل مع المهاجرين في الولايات المتحدة. ووفقاً لما ورد في تقرير The New York Times، تبنّى عدد من كبار المسؤولين خطاباً يستند إلى أن الإجراءات القانونية المتعارف عليها في قضايا الترحيل تُعد ترفاً لا يتناسب مع طبيعة “الخطر” الذي يشكله المهاجرون غير النظاميين، وفق تصورهم. وقد أُشير صراحة إلى أن هؤلاء لا يستحقون ضمانات قانونية، وهو تصريح ينطوي على تحول خطير في نظرة الدولة إلى مبدأ العدالة ذاته. هذه السياسة لا تمثل فقط تراجعاً عن تقاليد قضائية ضامنة لحقوق الفرد، بل تفتح الباب أمام إجراءات تعسفية محتملة تهدد سلامة آلاف العائلات. المؤسسات الحقوقية رأت في هذه المقاربة تهديداً صريحاً لجوهر القيم الأميركية القائمة على القانون، واعتبرتها محاولة لتجريد فئة اجتماعية بأكملها من إنسانيتها. كما نبّه محامون مختصون إلى أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تكدس في المحاكم الفيدرالية، وتخلق حالة من الفوضى القانونية. الأهم، أنها تغذي نزعة الخوف داخل المجتمعات المهاجرة، وتضعف الثقة بين الأفراد ومؤسسات الدولة، مما قد ينعكس سلباً على الأمن المجتمعي ذاته، خلافاً لما تزعمه الإدارة.
تراجع شعبية الرئيس: أزمة ثقة مبكرة
رغم النجاح الدعائي الكبير الذي رافق حملة ترامب الانتخابية ودخوله إلى البيت الأبيض، فإن استطلاعات الرأي خلال أول مئة يوم من ولايته كشفت عن أزمة ثقة مبكرة ومتفاقمة بينه وبين الرأي العام الأميركي. ووفقاً لبيانات The New York Times، فقد انخفضت نسبة التأييد الشعبي لترامب من 52% في الأسبوع الأول إلى 45% فقط بنهاية الشهر الثالث، ما يعكس تراجعاً سريعاً وغير مسبوق لرئيس حديث العهد بالسلطة. هذا التراجع لم يكن مفاجئاً بالنسبة لبعض المحللين، الذين أشاروا إلى أن الخطاب التصادمي والسياسات المتطرفة التي اعتمدها ترامب منذ اليوم الأول ساهمت في إضعاف القاعدة التي أوصلته إلى الحكم. قراراته المتسرعة، وتعييناته المثيرة للجدل، والدخول في معارك مفتوحة مع وسائل الإعلام والمؤسسات القضائية، كلها عوامل لعبت دوراً محورياً في تعميق الاستقطاب الداخلي وإضعاف صورة الرئيس أمام الجمهور. إضافة إلى ذلك، فإن غياب خطة اقتصادية متماسكة، وفشل الفريق الرئاسي في تمرير تشريعات بارزة خلال هذه الفترة، عززا من الشعور العام بعدم الكفاءة. كما بدأ بعض الناخبين من الطبقة الوسطى والعمالية – التي كانت من أبرز داعميه – يشعرون بأن وعود الحملة لم تترجم إلى إنجازات واقعية. كل هذا أثار تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة ترامب على الحفاظ على قاعدته الانتخابية خلال المرحلة المقبلة.
إيلون ماسك والبيروقراطية: طموحات تتلاشى أمام الواقع
من بين أبرز الوعود التي أطلقها ترامب فور تسلمه السلطة كانت تلك المتعلقة بإصلاح الجهاز البيروقراطي الفيدرالي، وهو وعد ضخم تطلّب التعاون مع شخصيات مؤثرة من القطاع الخاص، وعلى رأسهم رجل الأعمال إيلون ماسك. غير أن صحيفة The New York Times كشفت عن بدء تراجع ماسك عن التزامه بهذا المشروع، مع تقليص حضوره السياسي في واشنطن وتراجع اتصالاته بالبيت الأبيض. المشروع الذي رُوّج له كخطة طموحة لإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وتقليص ما يصل إلى تريليون دولار من الهدر والاحتيال، لم يشهد أي خطوات تنفيذية ملموسة، ما وضع علامات استفهام حول جدواه منذ البداية. انسحاب ماسك، الذي كان يُنظر إليه كرمز للابتكار والتفكير خارج الصندوق، اعتُبر دليلاً على أن البيروقراطية الأميركية أكثر تعقيداً مما توقّعه حتى كبار رجال الأعمال. وقد فسر مراقبون هذا التراجع بأنه إشارة إلى وجود صدامات داخلية بين الإدارة والنخب الاقتصادية، التي بدأت تشعر بأن المشروع الإصلاحي يفتقر إلى خطة مدروسة وآليات واضحة. كما أن تصاعد الجدل الأخلاقي حول العلاقة بين ترامب ورجال الأعمال، خصوصاً في قضايا تضارب المصالح، دفع بعض المستثمرين إلى إعادة النظر في الارتباط العلني بمشاريع البيت الأبيض. هذا التآكل المبكر في التحالف بين ترامب وبعض رموز رأس المال يُضعف كثيراً من قدرة الرئيس على إحداث تغيير حقيقي في آليات العمل الحكومي..
تسهيلات واسعة لمشاريع الطاقة: البيئة في مهب الريح
في خطوة تعكس توجهاً اقتصادياً على حساب الأولويات البيئية، أقدمت إدارة ترامب خلال أول مئة يوم من ولايته على تسريع إجراءات الموافقة على مشاريع النفط والغاز والتعدين، عبر تقليص فترات المراجعة البيئية وتقليص صلاحيات الوكالات المختصة. صحيفة The New York Times أوضحت أن القرار يستهدف تسهيل الاستثمار في الحقول الطبيعية الواقعة على أراضٍ عامة وفي المياه الفيدرالية، وهو ما أثار موجة انتقادات حادة من جمعيات حماية البيئة والخبراء في مجال السياسات المناخية. الرؤية التي تبنتها الإدارة اعتبرت أن القوانين البيئية الموروثة تشكل “عوائق بيروقراطية” أمام خلق الوظائف وزيادة الإنتاج المحلي للطاقة. غير أن معارضين يرون في هذا التوجه تجاهلاً خطيراً للآثار الكارثية المحتملة الناتجة عن التوسع غير المنضبط في استغلال الموارد، خصوصاً في ظل التغيرات المناخية المتسارعة. القرار يفتح الباب أمام تضارب محتمل بين أهداف النمو الاقتصادي والحفاظ على التوازن البيئي، كما يضع الولايات المتحدة على مسار تصادمي مع الاتفاقيات الدولية التي سبق أن التزمت بها، مثل اتفاقية باريس للمناخ. هذا التوجه لا يقتصر على الجانب البيئي فقط، بل يشير أيضاً إلى تغيير جذري في فلسفة الحكم، حيث يتم إعطاء الأولوية للمصالح التجارية قصيرة الأجل على حساب المصلحة العامة بعيدة المدى، ما يثير مخاوف جدية حول مستقبل السياسات البيئية في البلاد.
العملات الرقمية والنفوذ السياسي: حدود متآكلة بين المال والسلطة
من بين أكثر القضايا إثارة للجدل خلال هذه الفترة، ما كشفته صحيفة The New York Times بشأن الترويج لعملة رقمية تحمل اسم $TRUMP، أُطلقت بوصفها نوعاً من “الميمكوين” المرتبطة بشخص الرئيس نفسه. اللافت أن موقعاً إلكترونياً مخصصاً للعملة أعلن عن عرض استثنائي يمنح كبار المستثمرين فرصة لحضور عشاء خاص مع الرئيس ترامب، في خطوة بدت للكثيرين وكأنها عرض مباشر لشراء النفوذ السياسي عبر بوابة الاستثمار المالي. هذا النوع من العلاقة الملتبسة بين رأس السلطة التنفيذية ومجال العملات الرقمية أثار موجة من الأسئلة القانونية والأخلاقية، لا سيما في ما يتعلق بتضارب المصالح واستغلال المنصب العام لأغراض شخصية أو تجارية. ويرى مراقبون أن ما جرى يُعد تجاوزاً غير مسبوق للخطوط الفاصلة بين الشأن العام والمصالح الخاصة، خاصة حين يكون المتورط هو أعلى سلطة تنفيذية في البلاد. كما أن الربط بين الاستثمارات الرقمية والوصول إلى صناع القرار يمثل تهديداً لمبدأ تكافؤ الفرص وشفافية العمل السياسي. منظمات الرقابة والمحاسبة عبّرت عن قلقها من أن يتحول هذا النموذج إلى سابقة خطيرة، يُستغل فيها النفوذ لتحقيق مكاسب مالية على حساب استقامة النظام الديمقراطي. القضية تكشف عن ميل متزايد في إدارة ترامب نحو تسييل النفوذ السياسي، وتحويله إلى سلعة في سوق الاستثمار الشخصي.
تفكيك برامج الرعاية: الفئات الهشة تدفع الثمن
ضمن إعادة هيكلة شاملة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية، أعلن الوزير روبرت ف. كينيدي الابن عن إلغاء وحدة صغيرة معنية بتقديم خدمات اجتماعية للفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، وعلى رأسها برنامج “وجبات على العجلات” (Meals on Wheels). ووفق ما نقلته The New York Times، فإن هذا القرار أثار سخطاً واسعاً في أوساط الجمعيات المدنية وممثلي المجتمعات المحلية، نظراً لما تمثله هذه البرامج من ضرورة حيوية لكبار السن وذوي الإعاقة، الذين يعتمدون عليها لتلبية احتياجاتهم اليومية الأساسية. إدارة ترامب بررت الخطوة بأنها جزء من مساعٍ لتقليص النفقات وزيادة الكفاءة، إلا أن معارضي القرار رأوا فيه دليلاً صارخاً على افتقار السياسات الجديدة للبعد الإنساني والعدالة الاجتماعية. فبدلاً من توجيه التخفيضات إلى مجالات غير ضرورية أو ذات طابع بيروقراطي، اختارت الإدارة البدء بالفئات الأضعف، ما يعكس انحيازاً واضحاً لمعادلة اقتصادية تفضل تقليص الدعم الاجتماعي مقابل إعفاءات ومكاسب محتملة للقطاع الخاص. القرار لا يعبّر فقط عن تغير في أولويات الإنفاق، بل يكشف عن رؤية أيديولوجية ترى في الرعاية الاجتماعية عبئاً يجب التخلص منه، لا استثماراً في استقرار المجتمعات. الخطير في هذا التوجه هو أنه قد يُفتح الباب أمام المزيد من القرارات المماثلة، مما يضعف شبكات الأمان الاجتماعي ويزيد من هشاشة الفئات المهمشة في المجتمع الأميركي.