بريطانيا تدخل على خط النار في اليمن: دعم لواشنطن ورسالة للحوثيين

نفذت القوات الجوية البريطانية أولى ضرباتها الجوية ضد الحوثيين في اليمن، في تطور جديد يشير إلى تصاعد التحالف العسكري الغربي بقيادة الولايات المتحدة ضد الجماعة المدعومة من إيران. هذه المشاركة تُعدّ الأولى من نوعها لبريطانيا منذ تولي الحكومة العمالية الحالية السلطة، وأيضًا منذ آخر تدخل عسكري بريطاني خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
طائرات “تايفون” التابعة لسلاح الجو الملكي، مدعومة بطائرات التزود بالوقود “فوييجر”، استهدفت مبانٍ قالت وزارة الدفاع البريطانية إنها تُستخدم لتصنيع الطائرات المسيّرة التي استُخدمت في الهجمات على الشحن التجاري في البحر الأحمر وخليج عدن. وقد وُصفت الضربة بأنها جزء من رد مشترك مع واشنطن على التهديد المتزايد للملاحة الدولية.
لندن تبرر الضربة وتؤكد التزامها بالحلف الأميركي
وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، صرّح بأن العملية جاءت رداً على “تهديد مستمر من الحوثيين لحرية الملاحة”، مشيراً إلى أن انخفاضاً بنسبة 55% في حركة الشحن عبر البحر الأحمر قد ألحق خسائر بمليارات الدولارات، مما أدى إلى اضطراب اقتصادي يطال الأمن القومي البريطاني. وأكد هيلي أن بريطانيا لن تقف متفرجة بينما تستمر الهجمات على السفن الغربية.
وتُعتبر هذه الضربة البريطانية جزءاً من تحول واضح في الموقف البريطاني، بعد أن امتنعت لندن عن المشاركة في الحملة الجديدة التي أطلقتها إدارة ترامب في مارس الماضي تحت اسم “عملية رايدر العنيف”. وحتى هذا التدخل، كانت المشاركة البريطانية مقتصرة على ضربات محدودة ضمن عملية “بوسايدون آرتشر” العام الماضي.
حصيلة ثقيلة وضغط متزايد بشأن الضحايا المدنيين
وبينما شددت وزارة الدفاع البريطانية على أن الضربة تمت بعد “تخطيط دقيق لتقليل الخطر على المدنيين”، أفادت جماعة الحوثي بسقوط قتلى في عدة مواقع، بينها صنعاء وصعدة. وعلى الرغم من نفي وزارة الدفاع البريطانية وقوع أي ضحايا مدنيين وفق التقييمات الأولية، إلا أن الوضع الميداني لا يزال غامضاً.
وكانت جماعة الحوثي قد أعلنت في وقت سابق هذا الأسبوع مقتل 68 شخصاً في قصف أميركي استهدف مركز احتجاز لمهاجرين أفارقة في صعدة، بالإضافة إلى مقتل 80 مدنياً في ضربة على ميناء رأس عيسى في 18 أبريل. هذه التقارير أثارت مخاوف متزايدة لدى منظمات حقوق الإنسان.
انتقادات متزايدة للسياسات الأميركية وتراجع الحذر العملياتي
أثارت السياسة الهجومية الأميركية الجديدة، التي يقودها وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسث، جدلاً داخل واشنطن، خاصة بعد أن أصرّ على أن “القوة القتالية يجب أن تُبنى على مبدأ الفتك فقط”. وقد تم تقليص عدد البرامج الهادفة إلى تقليل الأضرار الجانبية، في نهج يُنظر إليه على أنه تخلٍّ عن المعايير السابقة لتقليل الأذى على المدنيين.
أنني شيل، مديرة مركز حماية المدنيين في النزاعات، قالت إن الضربات الأميركية “تثير تساؤلات كبيرة بشأن مدى التزام البنتاغون بالقوانين الدولية”، مشيرة إلى تحوّل واضح في الاستراتيجية الأميركية منذ عودة ترامب إلى السلطة.
تأكيد بريطاني على دعم واشنطن.. ورسائل سياسية واضحة
أكد جون هيلي أمام البرلمان أن الهجوم لم يكن فقط لدوافع أمنية، بل لتأكيد “وقوف بريطانيا بجانب حليفها الأقرب”، في إشارة إلى الولايات المتحدة. وأضاف: “الولايات المتحدة تكثف جهودها في البحر الأحمر، ونحن نقف إلى جانبها”، في رسالة واضحة للداعمين الداخليين والخارجيين حول التزام بريطانيا بالتحالف الاستراتيجي.
ورغم أن واشنطن لم تُصدر تعليقاً فورياً على المشاركة البريطانية، فإن تصريحات سابقة لهيغسث أعادت تأكيد النهج العسكري الهجومي، مع التركيز على “ضرب العدو بقوة”.
الحوثيون يتوعدون: “عدوان بريطاني-أميركي لدعم إسرائيل”
رد الحوثيون سريعاً، متهمين بريطانيا بـ”الغرور الاستعماري”، وقالوا إن الهجوم يندرج ضمن الجهود “الأنغلو-أميركية” لدعم “العدوان الإسرائيلي في غزة” من خلال منع اليمن من تقديم الدعم للفلسطينيين. واتهموا الغرب بمحاولة إسكات صوت اليمن في معركته إلى جانب غزة، التي تشهد في هذه الفترة تصعيداً إسرائيلياً واسعاً.
وأضاف بيان الحوثيين أن “الاعتداء البريطاني لن يمر دون رد”، مؤكدين استمرارهم في استهداف الملاحة الغربية كجزء من الرد على “العدوان على فلسطين”.
خسائر أميركية: مقاتلة F-18 في قاع البحر الأحمر
في تطور آخر يعكس التوتر الميداني، سقطت طائرة حربية أميركية من طراز F-18 في البحر الأحمر بعد مناورة حادة قامت بها حاملة الطائرات “هاري إس ترومان” لتفادي صواريخ حوثية. وبحسب التقارير، فإن الطائرة كانت تُسحب على سطح الحاملة عندما انزلقت إلى المياه وغرقت، ما يمثل خسارة باهظة للقوات الأميركية.
نحو مرحلة أكثر تصعيداً في الصراع الإقليمي
مع انخراط بريطانيا في العمليات العسكرية من جديد، يبدو أن الصراع في اليمن يدخل مرحلة جديدة أكثر تعقيداً، تتقاطع فيها حسابات الدعم لحلفاء إقليميين (إسرائيل) مع مخاوف الأمن البحري والضغوط الاقتصادية الغربية. وبينما تزداد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، تتصاعد التحذيرات من انزلاق جديد نحو حرب شاملة في المنطقة.