ثورة نيوم الكروية: مشروع رؤية 2030 يقتحم الملاعب
مليارات خلف الشارة: نيوم تنضم إلى ثورة كرة القدم السعودية
في مفارقة تثير الاهتمام، جاء صعود نادي نيوم الرياضي إلى دوري روشن السعودي من مدينة لا تزال في طور التخطيط والبناء. فبينما تنشغل الأندية الأوروبية الكبرى بمنافسات القمة، لم تلاحظ أن قوة جديدة بدأت بالتشكل في دوري الدرجة الثانية السعودي، إذ إن نيوم SC يمثل حالة فريدة في عالم كرة القدم: نادٍ صاعد من مشروع حضري لم يكتمل بعد، لكنه يحمل طموحات عملاقة تفوق عمره.
هذا الإنجاز اللافت يُعتبر جزءًا من مشروع أوسع تدعمه الدولة، حيث يحظى النادي برعاية صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهو نفس الكيان الذي يملك نادي نيوكاسل يونايتد في إنجلترا، ويقود التوجه السعودي نحو توظيف كرة القدم كأداة ناعمة لبناء صورة عالمية طموحة. وبانضمامه إلى كبار الدوري مثل الهلال والنصر والاتحاد والأهلي، يتحول نادي نيوم إلى لاعب رئيسي في مشهد كروي سريع التحول، يعكس رؤية استراتيجية تتجاوز مجرد النتائج على أرض الملعب، نحو إعادة رسم خريطة التأثير الرياضي في المنطقة والعالم.
نيوم ليست مجرد مشروع رياضي، بل حجر الأساس في رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. المدينة المخطط لها، والتي تبلغ كلفتها نحو 500 مليار دولار، تقع في شمال غرب السعودية، وتضم مشروع “ذا لاين”، وهو مدينة خطية بطول 170 كم، وارتفاع 500 متر، مصممة لتكون خالية من الانبعاثات الكربونية وتعتمد كليًا على الذكاء الاصطناعي والنقل عالي السرعة.
الاسم “نيوم” نفسه يعكس الطموح؛ يجمع بين كلمة “جديد” باليونانية، وأول حرف من كلمة “مستقبل” بالعربية، وأيضًا الحرف الأول من اسم ولي العهد، ما يعكس البُعد الرمزي والسياسي للمشروع.
انتقادات حقوقية مقابل وعود بالتغيير
لكن هذا المشروع الطموح لم يَخلُ من الجدل. فقد أثارت منظمات حقوق الإنسان مخاوف بشأن أوضاع العمالة الأجنبية العاملة في المشروع، والتي يُقدر عددها بنحو 60 ألف عامل، فضلًا عن تقارير حول عمليات إخلاء قسرية لبعض السكان المحليين. ورغم تأكيد السلطات أن العقود تلتزم بالمعايير الدولية، فإن الانتقادات لا تزال حاضرة، خصوصًا فيما يتعلق بشفافية التنفيذ.
ملعب فوق السحاب وطموح عالمي
من المتوقع أن تستضيف نيوم مباريات في كأس العالم 2034، في ملعب بسعة 46 ألف متفرج يتميز بموقعه على ارتفاع 350 مترًا فوق سطح الأرض، وسقفه المصمم ليكون جزءًا من المدينة نفسها. سيكون هذا الملعب تتويجًا لطموح نيوم الرياضي، الذي لا يقتصر على المنافسة المحلية بل يطمح إلى التتويج الآسيوي والمشاركة في كأس العالم للأندية.
من تبّوك إلى العالمية: قصة التحول
النادي المعروف سابقًا باسم “الصقور” قضى قرابة ستة عقود في ظلال الدرجات الأدنى قبل أن يُعاد تشكيله في 2023 تحت اسم “نيوم”. انطلق من مدينة تبوك، الواقعة على بُعد أكثر من 200 كيلومتر من الموقع المستقبلي لنيوم، ومن المتوقع أن ينتقل إلى مقره الجديد خلال العقد المقبل.
ويبدو أن التغيير لم يكن مجرد تغيير اسم أو شعار، بل فلسفة كاملة في التخطيط والتجنيد، حيث تم التعاقد مع أسماء معروفة في المنطقة مثل المصري أحمد حجازي، الذي فاز بالدوري مع الاتحاد، والجزائري سعيد بن رحمة، القادم من ليون بعد تجربة في وست هام.
نجوم وأهداف كبرى: من الصعود إلى القمة
صعود نيوم تحقق قبل نهاية الموسم بأربع جولات، بعد فوز بثلاثية نظيفة على العربي، وكان يقود الفريق من على الخطوط المدرب البرازيلي بيركليس شاموسكا، صاحب الخبرة الواسعة في الملاعب السعودية، إذ قاد سابقًا التعاون والفيصلي وتوج مع الأخير بكأس الملك عام 2021.
طموحات النادي لا تقتصر على البقاء في دوري روشن، بل تتعداه إلى حجز مقعد في المراكز الثلاثة الأولى، والمنافسة الآسيوية، ومن ثم التأهل إلى النسخ المقبلة من كأس العالم للأندية. ووفق التقارير، فإن إدارة النادي تستعد لضخ استثمارات كبيرة في سوق الانتقالات، مع شائعات تتحدث عن اهتمام بضم نجوم عالميين مثل جورجينيو من أرسنال وأندريه أونانا من مانشستر يونايتد.
نيوم كنادٍ مفهوم، وكمدينة حلم يتشكل
رغم أن تصور نيوم كمدينة لا يزال محاطًا بالغموض والتحديات التنفيذية، إلا أن صورتها كنادٍ لكرة القدم بدأت تكتسب ملامح أوضح. قصة نيوم تشكل حلقة جديدة من مسلسل الصعود السعودي في كرة القدم العالمية، المدفوع برؤية استثمارية طموحة لا تعرف حدودًا. وإذا كانت نيوم لا تزال مدينة على الورق، فإن فريقها بات واقعًا ملموسًا يصعد بسرعة الصاروخ نحو القمة.
