البرلمان المصري يبدأ إجراءات إصدار قانون جديد لتنظيم الفتاوى
القانون الجديد ينظم فوضى الفتاوى غير المنضبطة

بدأ البرلمان المصري مناقشة مشروع قانون جديد يهدف إلى تنظيم عملية إصدار الفتاوى في البلاد. يأتي هذا التحرك في ظل تزايد الجدل حول الفتاوى غير المنضبطة، وتأثيرها على الأمن الفكري والاجتماعي.
فماذا يتضمن هذا القانون؟ ولماذا يُعد ضرورياً في هذا التوقيت؟ وما موقف المؤسسات الدينية؟ وهل هناك مخاوف من تقييد حرية الرأي الديني؟
ما هو مشروع قانون تنظيم الفتوى؟
يتضمن مشروع القانون مجموعة من الضوابط القانونية التي تحدد من يحق له إصدار الفتاوى العامة، وما هي الجهات المعتمدة رسميًا للقيام بذلك، وهي:
دار الإفتاء المصرية
هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف
مفتي الجمهورية
لجنة الفتوى بالأزهر
اللجنة المختصة بالفتوى بوزارة الأوقاف
ويُجرم المشروع كل من يصدر فتاوى عامة دون تصريح من هذه الجهات، مع فرض عقوبات قد تصل إلى الحبس والغرامة، بهدف حماية المجتمع من الفتاوى العشوائية التي قد تُحدث بلبلة فكرية أو تُستخدم لتحقيق أهداف متطرفة.
في السنوات الأخيرة، انتشرت عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عدد من الفتاوى المتطرفة أو المثيرة للجدل، كثير منها صادرة عن أشخاص غير مؤهلين أو ذات خلفيات فكرية متشددة. إليك أبرز الأمثلة:
1. تحريم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم
بعض الدعاة المتشددين أفتوا بأن تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد أو غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى حرام شرعًا، معتبرين أن ذلك من “موالاة الكفار”.
هذه الفتوى أثارت غضبًا واسعًا، خاصة في المجتمعات المتعددة، حيث تُعد التهنئة من مظاهر التعايش السلمي.
2. إرضاع المرأة لزميلها في العمل
إحدى أغرب الفتاوى التي أثارت سخرية وانتقادًا عالميًا، حيث أفتى أحدهم بأنه يجوز للمرأة إرضاع زميلها البالغ في العمل إذا اضطرت للاختلاط به، لتصبح “أمه من الرضاعة”، مستندًا إلى واقعة تاريخية غير مطبقة في الواقع.
هذه الفتوى رُفضت بشدة من كبار العلماء واعتُبرت خروجًا عن المنطق والشريعة.
3. تحريم أكل الطماطم أو الخيار بسبب رمزية جنسية
ظهرت فتاوى في بعض وسائل التواصل تُحرّم أكل الطماطم أو الخيار للنساء لأن أشكالها “تُثير الشهوة”، ما أثار سخرية وانتقادًا حادًا في العالم الإسلامي.
الفتوى لا تستند لأي دليل شرعي ومبنية على تفكير غير منطقي.
4. جواز نكاح المتوفاة خلال 6 ساعات من وفاتها
ظهرت في مصر عام 2012 على لسان داعية محسوب على التيار السلفي، وأثارت صدمة مجتمعية. وقد تم نفي هذه الفتوى لاحقًا، لكن آثارها ظلت متداولة وأساءت لصورة الدين.
5. تكفير بعض الفنانين أو السياسيين علنًا
صدرت فتاوى عن دعاة متشددين تعتبر أن بعض الفنانين “كفار” ويجب عدم دفنهم في مقابر المسلمين، دون أي سند قضائي أو شرعي معتبر.
هذه الفتاوى تُغذي الكراهية والتحريض المجتمعي.
6. إباحة استهداف المدنيين في العمليات الإرهابية
فتاوى صادرة عن جماعات متطرفة مثل داعش أو القاعدة أفتت بجواز قتل المدنيين غير المسلمين، بل حتى المسلمين “الذين لا يطبقون الشريعة”، ما أدى إلى عمليات إرهابية مروعة في العالم.
أسباب طرح القانون الآن
1. التصدي للفتاوى الشاذة: شهدت السنوات الماضية انتشار فتاوى أثارت الرأي العام، بعضها يدعو إلى العنف أو التكفير.
2. مواجهة الفوضى الرقمية: مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت منصة لغير المختصين لبث آراء دينية غير دقيقة.
3. تعزيز دور الدولة في ضبط الخطاب الديني: في إطار استراتيجية الدولة لمواجهة التطرف وتجديد الخطاب الديني.
موقف المؤسسات الدينية
الأزهر الشريف
رحب بمشروع القانون باعتباره وسيلة لضمان أن تكون الفتوى مبنية على علم شرعي رصين، وأعرب عن استعداده لتقديم الدعم الفني والشرعي لصياغة القانون.
دار الإفتاء المصرية
أكدت على أهمية التنظيم دون تقييد الرأي الفقهي المختلف داخل الإطار العلمي المنضبط.
وزارة الأوقاف
شددت على ضرورة التفرقة بين الفتاوى العامة والآراء الفقهية المتداولة في الدروس وخطب الجمعة.
الجدل المجتمعي بين التأييد والتحفظ
مؤيدون يرون أن قانون وضع حد للفتوى أو تنظيم الفتوى ضرورة لحماية المجتمع والدين من الفوضى والتطرف والتضليل. وفيما يلي أبرز آرائهم:
1. منع الفوضى الدينية
يرى المؤيدون أن كثرة الفتاوى العشوائية من غير المؤهلين – خصوصًا على وسائل التواصل – أدت إلى فوضى فكرية، وتناقضات تسببت في بلبلة الناس وانقسامهم، مما يستوجب وجود قانون ينظم من يحق له الإفتاء.
2. حماية الأمن الفكري
يؤمن البعض أن الفتاوى غير المنضبطة قد تُستخدم لنشر أفكار متطرفة أو تحريضية تمسّ الأمن الوطني أو تنشر الكراهية، ما يجعل تنظيمها جزءًا من الأمن القومي والفكري.
3. حصر الإفتاء في جهات موثوقة
يؤيدون حصر الفتوى في هيئات رسمية معروفة مثل دار الإفتاء أو الأزهر، لضمان أن تصدر الفتاوى عن متخصصين درسوا الفقه وأصوله لسنوات طويلة، مما يعطي مصداقية وحكمة للفتوى.
4. حماية صورة الإسلام
يرون أن الفتاوى المتضاربة والغريبة تسيء إلى سمعة الدين الإسلامي أمام غير المسلمين، وأن القانون وسيلة لضمان أن صوت الإسلام الممثل في الفتاوى يكون معتدلاً ورشيدًا.
5. الحفاظ على وحدة الخطاب الديني
وجود أكثر من مرجعية في الفتوى يؤدي إلى انقسام المجتمع، خصوصًا في القضايا الحساسة مثل الأحوال الشخصية أو المسائل العقائدية. القانون يُسهم في توحيد الخطاب الديني الرسمي.
6. تقنين الفتوى مثل تقنين الطب أو القانون
يرى البعض أن الفتوى مثلها مثل أي مجال تخصصي (كالطب أو المحاماة)، لا يُعقل أن يُمارَس دون ترخيص، وإلا ترتب عليه ضرر. فكما لا يُسمح لأي شخص بمعالجة المرضى، لا يُفترض السماح لأي شخص بإصدار فتاوى
أما المعترضون
فيرون أن القانون قد يُستخدم لتقييد حرية التعبير الديني.
الفتاوى ليست كلها رسمية، فهناك فقه شعبي يجب احترامه.
ماهو الفقه الشعبي
الفقه الشعبي هو مصطلح يُطلق على مجموعة من المفاهيم والممارسات الدينية التي تنبع من وجدان الناس وثقافتهم اليومية، أكثر من كونها تستند إلى المرجعيات الفقهية الرسمية المعتمدة من علماء الدين أو المذاهب الفقهية. يمكن اعتباره نوعًا من “الدين الشعبي” أو “التدين الشعبي”، الذي يعكس كيف يفهم الناس الدين ويمارسونه في حياتهم اليومية، حتى لو خالف ذلك أحيانًا الأحكام الشرعية الدقيقة.
خصائص الفقه الشعبي
1. يعتمد على الموروث الثقافي والتقاليد: مثل العادات الاجتماعية، والخرافات، والأساطير، والمأثورات الشعبية.
2. ينتشر عبر الشفاهة: وليس بالضرورة أن يكون مدوَّنًا أو مستندًا إلى كتب فقهية.
3. يعبّر عن التدين العفوي: حيث يُخلط بين الدين والعادات أحيانًا دون تمييز واضح.
4. يميل للتبسّط والمرونة: وغالبًا ما يسعى لتلبية حاجات الناس الروحية والاجتماعية بشكل عملي.
أمثلة على الفقه الشعبي:
الاعتقاد بأن المرأة لا يجوز لها دخول المقابر إطلاقًا، رغم أن الفقهاء اختلفوا في ذلك ولم يجمعوا على تحريمه.
بعض الممارسات في الموالد والأضرحة، مثل الطواف حول القبور أو التبرك بأشياء معينة.
اعتقاد أن الطلاق لا يقع إلا إذا نُطق ثلاث مرات، بينما الفقه يقر أن الطلاق قد يقع من أول مرة حسب النية والصيغة.
الفرق بين الفقه الشعبي والفقه الرسمي:
الفقه الرسمي
يقوم على الاجتهاد العلمي والنصوص الدينية الموثوقة ويصدر عن مؤسسات دينية وعلماء متخصصين.
الفقه الشعبي
: يصدر عن عامة الناس ويتأثر بالعادات والتقاليد والظروف الاجتماعية.
التحديات أمام تطبيق القانون
تعريف الفتوى العامة بدقة: من المهم التفريق بين الفتوى الملزمة والرأي الديني.
آلية الرقابة والمتابعة: كيف سيتم ضبط آلاف الحسابات الإلكترونية التي تقدم فتاوى غير رسمية؟
التنسيق بين المؤسسات: تجنب التضارب بين الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف.
تجارب دولية مشابهة
دول مثل السعودية والمغرب والإمارات لديها قوانين مماثلة تنظم الفتوى وتقصرها على جهات محددة. وقد ساهم ذلك في تقليص مساحة الفتاوى المتطرفة. لكن يظل التحدي قائمًا في كيفية ضبط الخطاب الديني دون المساس بحرية الفكر.
يمثل مشروع قانون تنظيم الفتوى خطوة مهمة في إطار ضبط الفضاء الديني العام بمصر، خاصة مع انتشار فتاوى متطرفة أو مغلوطة قد تثير الفتنة أو التشويش. غير أن نجاح هذا القانون يتوقف على عدة عوامل، منها: وضوح تعريف “الفتوى العامة”، وجود آلية رقابة عادلة، وتوفير مساحة للرأي الديني المختلف داخل الإطار المؤسسي.
فالقانون ينبغي ألا يكون أداة تقييد، بل وسيلة لحماية المجتمع من الفوضى، دون إغلاق باب الاجتهاد أو كبح روح الحوار الفقهي المتنوع التي تميزت بها الحضارة الإسلامية عبر العصور.
العقوبات المقترحة في مشروع قانون تنظيم الفتوى
1. الحبس والغرامة المالية:
يعاقب كل من يصدر فتوى شرعية عامة دون تصريح من الجهات المختصة بالحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر، وغرامة مالية قد تصل إلى 100 ألف جنيه مصري.
2. عقوبات على وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية:
تلتزم المؤسسات الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي بعدم نشر أو بث الفتاوى الشرعية إلا إذا كانت صادرة عن المختصين وفقًا لأحكام هذا القانون.
في حال مخالفة ذلك، تُفرض عقوبات على هذه الجهات، تشمل الغرامات المالية، وقد تصل إلى إيقاف البث أو النشر لفترة محددة.
3. تشديد العقوبات في حالة التكرار أو الأثر السلبي:
إذا ترتب على الفتوى أضرار اجتماعية أو تحريض على العنف، قد تُضاعف العقوبات، وتشمل الحبس لمدة أطول وغرامات مالية أكبر.
هذه العقوبات لا تزال قيد المناقشة في البرلمان المصري، وقد تخضع للتعديل قبل إقرار القانون بشكل نهائي.