الوكالات

نيويورك تايمز: نتنياهو لم يعد شريكًا… وترامب بدأ يدرك ذلك

في خطوة تعكس تحولاً لافتًا في فهم المشهد السياسي في الشرق الأوسط، يبدو أن الرئيس دونالد ترامب بدأ يدرك واقعًا طالما تجاهلته الإدارات الأميركية السابقة: حكومة بنيامين نتنياهو الحالية لم تعد حليفًا موثوقًا لواشنطن، بل باتت تشكل عبئًا استراتيجيًا على المصالح الأميركية في المنطقة.

القرار بعدم زيارة تل أبيب خلال الجولة المرتقبة التي تشمل السعودية والإمارات وقطر لا يبدو عابرًا، بل يحمل دلالات واضحة على رغبة واشنطن في إعادة صياغة أولوياتها الإقليمية بعيدًا عن الابتزاز السياسي الذي اعتاد نتنياهو ممارسته على الرؤساء الأميركيين. الرسالة وصلت، ونتنياهو بدأ يشعر أن أيام الاعتماد المطلق على الدعم الأميركي قد تكون معدودة.

تحالف مبني على وهم

لا شك أن العلاقة بين الشعبين الأميركي والإسرائيلي لا تزال قوية، لكن حكومة إسرائيل الحالية ليست انعكاسًا لتلك العلاقة. إنها أول حكومة في تاريخ إسرائيل لا تسعى للسلام مع جيرانها، بل تضع على رأس أولوياتها ضم الضفة الغربية، وإفراغ غزة من الفلسطينيين، وبناء مستوطنات مكانهم.

هذا السلوك لا يهدد الفلسطينيين فقط، بل يقوّض أسس التحالف الأميركي العربي الإسرائيلي الذي أسسته واشنطن منذ عقود.

نتنياهو يعرقل مصالح واشنطن لحماية نفسه

منذ وصوله إلى الحكم نهاية 2022، جعل نتنياهو من مشروع الضم أولوية، حتى قبل هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.
ورغم الضغوط الأميركية المتكررة لفتح حوار مع السلطة الفلسطينية تمهيدًا لتطبيع العلاقات مع السعودية، اختار نتنياهو مصالحه الشخصية على مصلحة بلاده وحلفائها.

السبب؟ رفض حلفائه من اليمين المتطرف أي انفتاح على الفلسطينيين، وتهديدهم بإسقاط حكومته. وبما أن نتنياهو يواجه تهم فساد، فإنه لا يستطيع المخاطرة بخسارة منصب يوفّر له الحماية.

تخريب اتفاق تاريخي كان سيغيّر وجه المنطقة

لو قبل نتنياهو عرض الإدارة الأميركية، لكنا اليوم على أعتاب اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، أكبر قوة إسلامية سنية.
هذا الاتفاق كان سيُطلق فرصًا غير مسبوقة للتعاون الاقتصادي والتقني، ويعزز مكانة أميركا في الشرق الأوسط، ويعيد تشكيل علاقتها بالعالم الإسلامي على أسس جديدة.

لكن تعنّت نتنياهو أطاح بالفرصة، وأدى بحسب تقارير إلى إسقاط شرط التطبيع الإسرائيلي من المفاوضات الأميركية-السعودية حول التعاون النووي المدني.

نحو احتلال دائم لغزة وانهيار محتمل للنظامين الأردني والمصري

الأسوأ لم يأتِ بعد. فنتنياهو، بحسب مسؤولين ومراقبين، يستعد لإعادة غزو غزة ودفع سكانها إلى منطقة ضيقة محاصرة بين البحر وحدود مصر.
هدفه ليس استبدال حماس بسلطة فلسطينية معتدلة، بل فرض احتلال دائم يقود إلى تهجير جماعي تدريجي.

هذا السيناريو لا يُهدد فقط بارتكاب جرائم حرب جديدة، بل يضع استقرار الأردن ومصر  ركيزتي التحالف الإقليمي الأميركي  على المحك. فكلا البلدين يخشى أن يؤدي ضغط الاحتلال إلى تدفق اللاجئين إلى أراضيهما، مع ما يحمله ذلك من اضطرابات أمنية داخلية.

خسائر استراتيجية للولايات المتحدة: الصين وإيران تملآن الفراغ

كما قال لي مسؤول سابق في القيادة المركزية الأميركية، فإن تلاشي الأمل في حل الدولتين سيُضعف الحماسة الإقليمية لتوسيع التعاون الأمني الأميركي-العربي-الإسرائيلي، مما يمنح إيران والصين فرصة ذهبية للتمدد دون الحاجة إلى انتشار عسكري أميركي واسع.

تحذير أخير: دولة منبوذة في أفق أحفادك

سيدي الرئيس، لديك حدث جيد في ملفات الشرق الأوسط. لا تدع هذه اللحظة تفلت منك. لأن البديل سيكون جيلًا من أحفادك اليهود يعيش في عالم تُعتبر فيه إسرائيل دولة منبوذة عالميًا.

دعني أختم بكلمات افتتاحية صحيفة هآرتس في 7 مايو:”قتلت القوات الجوية الإسرائيلية تسعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 3 و14 عامًا. الجيش قال إن الهدف كان مركزًا لقيادة حماس، وإنه اتخذ خطوات لتقليل الضرر بالمدنيين. لكن يمكننا الاستمرار في إنكار الأرقام، والتشكيك في مصادرها، واستخدام كل أدوات القمع واللامبالاة والتبرير. ومع ذلك، ستبقى الحقيقة المرة: إسرائيل قتلتهم. بأيدينا. يجب ألا نغض الطرف. علينا أن نصحو ونصرخ: أوقفوا الحرب.”

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي خارجي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. يتمتع بخبرة واسعة في التغطية والتحليل، وعمل في مواقع وصحف محلية ودولية. شغل منصب المدير التنفيذي لعدة منصات إخبارية، منها "أخباري24"، "بترونيوز"، و"الفارمانيوز"، حيث قاد فرق العمل وطور المحتوى بما يواكب التغيرات السريعة في المشهد الإعلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى