من خاركيف إلى الخليج: كيف تعيد حرب المسيّرات الأوكرانية رسم قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط؟

لم يعد مستقبل الحروب يُرسم في مراكز تصنيع الطائرات المقاتلة أو الدبابات الثقيلة، بل في ورش صغيرة تنتج مسيّرات منخفضة الكلفة قادرة على تدمير أصول عسكرية بمليارات الدولارات. تلك هي المعادلة الجديدة التي فرضتها أوكرانيا على ساحة المعركة، ليس فقط في صراعها مع روسيا، بل في تأثيرها الأوسع على الاستراتيجيات العسكرية من الشرق الأوسط إلى البنتاغون.
كييف ترد على التقليل من أهميتها بضربة استراتيجية
في الوقت الذي يقلّل فيه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من أهمية أوكرانيا الاستراتيجية، جاءت ضربة كييف لأربعة مطارات روسية دفعة واحدة، بأضرار تقدّر بـ7 مليارات دولار، لتثبت أن ميزان القوة لا يُقاس فقط بعدد الصواريخ، بل بقدرة الدولة على توظيف التكنولوجيا الرخيصة بذكاء تكتيكي. هذه الضربة لم تغيّر قواعد الاشتباك في أوروبا الشرقية فقط، بل أطلقت موجات قلق واستعداد في الخليج، وإسرائيل، واليمن، وحتى في واشنطن نفسها.
أوكرانيا تغيّر المعادلة: الضربة التي أربكت روسيا
عملية “سبايدر ويب”، التي استمرت 18 شهرًا، استخدمت فيها أوكرانيا 117 مسيّرة من نوع FPV، بتكلفة منخفضة، جرى تهريبها إلى الداخل الروسي داخل شاحنات بضائع.
الهدف؟ ضرب الطائرات الاستراتيجية بعيدة المدى التي تُستخدم في قصف المدن الأوكرانية.
النتيجة؟ أكثر من 40 قاذفة روسية خارجة عن الخدمة، من بينها طائرات “توبوليف 95” و“توبوليف 160”، مما أجبر موسكو على سحب هذه القاذفات إلى أقصى شرق البلاد، حيث تحتاج كل مهمة هجومية الآن إلى 23 ساعة ذهابًا وعودة.
الضعف في العمق: كيف تحوّلت مساحة روسيا من قوة إلى عبء؟
في الماضي، كانت المساحات الشاسعة لروسيا مصدرًا للفخر الاستراتيجي، لكن الضربات الأوكرانية أظهرت أنها عبء لوجستي، إذ بات نقل الطائرات إلى مناطق نائية لحمايتها يزيد من تعقيد المهام القتالية. ومع محدودية الدفاعات الجوية وتباطؤ الإمدادات الغربية، باتت روسيا مكشوفة أكثر مما كانت تعتقد.
الصدمة النفسية تتجاوز التكلفة المادية
الضربات التي وجهتها أوكرانيا لم تكن مجرد تكتيك حربي ناجح، بل رسائل نفسية قوية. العدو لم يعد آمنًا حتى داخل أراضيه. هذه الصدمة تتجاوز روسيا، فقد أثارت تساؤلات داخل الناتو والبنتاغون:
هل موانئنا ومعسكراتنا مؤمنة ضد سيناريو مشابه؟
وهل يمكن لحاوية صينية أن تُخفي سربًا من المسيّرات الانتحارية؟
الاعتماد على الصين… نقطة ضعف غربية
أغلب مكونات المسيّرات الأوكرانية الرخيصة، من بطاريات ومحركات كهربائية، تأتي من الصين. هذا الاعتماد يثير مخاوف متزايدة لدى الغرب بشأن اختراق سلاسل الإمداد أو استخدامها من قبل الخصوم كأدوات تخريب وسرية. ورغم جهود البنتاغون لتطوير تكنولوجيا مضادة للمسيّرات، تبقى الحماية الشاملة هدفًا بعيد المدى.
أسطول البحر المُسيّر: كيف تفوقت أوكرانيا بدون بحرية تقليدية؟
رغم تدمير أسطولها التقليدي في بداية الحرب، طورت أوكرانيا سريعًا أسطولًا من المسيّرات البحرية الذكية. هذا الأسطول الصغير دمّر أو عطّل ثلث الأسطول الروسي في البحر الأسود، ما أجبر السفن الروسية على التخبّؤ في الموانئ.
في الأشهر الأخيرة، استهدفت المسيّرات البحرية حتى طائرات مروحية ومقاتلات روسية، باستخدام تكتيك مشابه لـ”سفن النار” القديمة التي كانت تُستخدم في عصر الإبحار لإحداث الفوضى داخل أساطيل العدو.