نتنياهو يشعل شرارة النار النووية: ضربة لإيران قد تُشعل سباق تسلح إقليمي
في سعيه لمنع "تهديد وجودي"، ربما فتح رئيس الوزراء الإسرائيلي الباب لأخطر تصعيد نووي

في فجر يوم الجمعة، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتنفيذ عملية عسكرية طال انتظارها، استهدفت منشآت نووية إيرانية في ضربة كان يحلم بها منذ التسعينيات. لثلاثة عقود، لم يتوقف عن التحذير من “الخطر النووي الإيراني”، معتبراً إياه التهديد الوجودي الوحيد الذي يواجه دولة الاحتلال. والضربة لم تكن مجرد خطوة عسكرية، بل تتويج لحملة سياسية وعقائدية طويلة، ومقامرة استراتيجية قد تغيّر شكل المنطقة لعقود قادمة.
توقيت محسوب.. وتحولات إقليمية مفصلية
نفّذ نتنياهو الضربة في لحظة فارقة، حين بدت إيران في نظره ضعيفة ومفككة. نفوذها الإقليمي تراجع:
*سوريا باتت خارج السيطرة بعد تراجع نظام الأسد.
*الحوثيون أبرموا اتفاقاً مع واشنطن.
*حزب الله يعاني من ضغوط داخلية وخسائر قيادية.
*حماس تلقت ضربة قاصمة في غزة.
أما داخلياً، فقد كشفت موجة الهجمات الإسرائيلية خلال 2024 هشاشة المنظومة الدفاعية الإيرانية، ما أتاح نافذة نادرة لتنفيذ الضربة.
غطاء قانوني دولي.. ودوافع سياسية داخلية
قبل الضربة بيوم واحد، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران خرقت معاهدة حظر الانتشار النووي لأول مرة منذ قرابة 20 عاماً، ما وفّر غطاءً دولياً شكلياً للعملية. ولكن خلف الكواليس، كان نتنياهو يواجه أزمة سياسية داخلية تهدد بانهيار حكومته. الضربة جاءت في توقيت مثالي لتوحيد صفوف الائتلاف، واستعادة لقب “رجل الأمن” الذي يجذب الناخب الإسرائيلي في أوقات الأزمات.
ترامب والاتفاق المزعج: ضربة استباقية للدبلوماسية
أحد المحفزات المهمة للضربة كان الخوف من اتفاق نووي جديد بين واشنطن وطهران، لكن هذه المرة برعاية دونالد ترامب نفسه. بعد أن نجح نتنياهو سابقاً في إقناع ترامب بالانسحاب من اتفاق أوباما، فإن عودة ترامب المحتملة للرئاسة تفتح باباً لاتفاق قد لا يرضي تل أبيب.
فقرر نتنياهو التحرك أولًا بالسلاح لا بالكلمات.
أمريكا: على الهامش أم خلف الستار؟
أعلنت إدارة ترامب أن الضربة إسرائيلية بالكامل دون تنسيق مسبق، في حين أشار تصريح ترامب بعد الضربة إلى نوع من الرضا: “لقد أعطينا إيران فرصة… والآن عليهم تحمّل النتيجة.”
فهل كانت الضربة فعلاً مفاجِئة لواشنطن؟ أم أنها تمت بتفاهم سري للضغط على إيران؟ لا أحد يعلم بدقة، لكن الغموض يصب في مصلحة الطرفين في هذه المرحلة.
النتائج الفعلية: ضجيج إعلامي.. وإنجاز استراتيجي محدود
رغم أن الضربة نجحت في استهداف بعض العلماء والمنشآت، فإن الهدف الأهم وقف البرنامج النووي الإيراني لم يتحقق. المنشآت الرئيسية مثل “نطنز” و”فوردو” محصنة بعمق تحت الأرض، خارج مدى القنابل الإسرائيلية التقليدية.
وإذا لم يتم تدمير هذه المنشآت فعلياً، فإن العملية قد تتحول من “ضربة رادعة” إلى “ذريعة متجددة” لتسريع البرنامج الإيراني.
إيران تستخلص الدرس: من لا يملك القنبلة يُباد
رد الفعل الإيراني لم يكن انسحاباً أو تراجعاً، بل إصراراً مضاعفاً. بالنسبة لصقور النظام في طهران، دروس كوريا الشمالية وليبيا وأوكرانيا باتت واضحة:
*من يملك القنبلة النووية يبقى.
*من يتنازل عنها يسقط أو يتمزق.
وهكذا، عززت الضربة الإسرائيلية القناعة الإيرانية بأن امتلاك القنبلة النووية لم يعد خياراً، بل ضرورة وجودية.
السعودية وتركيا.. سباق تسلح يطرق الأبواب
الضربة فتحت شهية لاعبين إقليميين آخرين. السعودية وتركيا، وإن كانتا خارج محور “الممانعة”، إلا أنهما تدركان أن امتلاك قوة نووية أصبح عامل ردع أساسي.
البلدان قد يسلكان طريق التخصيب النووي “السلمي” في العلن، لكنه سيكون قابلاً للتحول العسكري عند الحاجة. الشرق الأوسط، كما يبدو، يقترب من سباق تسلح نووي شامل.
النتيجة: فوز انتخابي لنتنياهو.. وخسارة إقليمية كبرى
صحيح أن نتنياهو كسب دعماً جماهيرياً، وقد يعزز الضربة في صناديق الاقتراع، لكن حسابات الأمن الإقليمي باتت أكثر تعقيداً وخطورة. الضربة لم تطفئ “الخطر النووي الإيراني”، بل غذّت جذوته.
ما حدث ليس مجرد تصعيد تقليدي بين دولتين، بل نقطة تحول قد تجر الشرق الأوسط إلى سباق نووي، وصراع قد يعيد تشكيل ميزان القوى العالمي.