عربي وعالمي

تهديدات الفيدرالي تتجاوز اقاله باول:عندما تصبح أفكار المتطرفين الماليين سياسه محتملة

تهديدات الفيدرالي: أفكار متطرفة تُطرح كسياسة محتملة

في قلب العاصفة السياسية التي يشهدها المشهد الأميركي مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتعرض المؤسسات الاقتصادية الكبرى لهزات غير مسبوقة. وعلى رأس هذه المؤسسات، يقف مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي – المؤسسة التي لطالما مثّلت صمّام أمان للاستقرار النقدي العالمي – تحت نيران تهديدات متصاعدة، لا تقتصر على إقالة رئيسه جيروم باول، بل تمتد إلى إعادة صياغة دوره بالكامل.

الخطر الجديد لا يأتي فقط من الرئيس، بل من أفكار متطرفة تزداد تغلغلاً في محيطه، أبرزها ما يطرحه كيرتس يارفن، المدون الراديكالي المعروف بتبنيه لأفكار “الاستبداد الشعبوي”، والذي بات يشكل مصدر إلهام لفريق ترامب وبعض رموز التيار المحافظ، مثل نائب الرئيس جي دي فانس.

في قلب الخطة: دمج الفيدرالي والخزانة

حين تحدّث يارفن مؤخرًا إلى الصحافية جليان تيت، كشف عن “خطة جريئة” تتمثل في دمج الاحتياطي الفيدرالي مع وزارة الخزانة، ومن ثم إعادة هيكلة الديون الأميركية البالغة 37 تريليون دولار، عبر إعادة تصنيف السندات الحكومية باعتبارها “أسهمًا مقيدة” وليست ديونًا تقليدية.

رغم أن هذه الأفكار تبدو عبثية لمعظم الاقتصاديين، إلا أن مجرد تداولها ضمن محيط صنع القرار يعكس تآكلًا خطيرًا في الإجماع المؤسسي الأميركي حول ضرورة استقلالية السياسات النقدية.

نوافذ الأفكار المتطرفة تُفتح على مصراعيها

القلق لا يكمن في احتمال تطبيق خطة يارفن غدًا، بل في أن “نافذة أوفرتون” – وهي المفهوم الذي يحدد حدود الأفكار المقبولة سياسيًا – بدأت تتسع لتستوعب ما كان يُعتبر في السابق ضربًا من الجنون.

فهناك تكهنات بأن ترامب قد يطلب من وزير الخزانة الحالي سكوت بيسنت تولي قيادة كل من الفيدرالي والخزانة معًا. ورغم أن الكونغرس لن يقبل بذلك على الأرجح، إلا أن مجرد طرح هذه السيناريوهات علنًا يشير إلى تآكل تدريجي في حرمة المؤسسات.

من يارفن إلى ماسك: تحالف التمرد التكنولوجي والمالي

لا تقف تأثيرات يارفن عند حدود الكتابة على مدونات “سبستاك”، بل تتعداها إلى جلسات التخطيط السياسي، حيث تشير التقارير إلى أنه قدّم استشارات سياسية مباشرة لإيلون ماسك، الملياردير الذي يعكس في كثير من مواقفه المزاج الشعبوي الجديد ضد النخب والمؤسسات.

كما أن أفكاره حول تفكيك الدولة البيروقراطية وتشجيع الاقتصاد غير المركزي باتت تستهوي أجنحة من إدارة ترامب وأطرافًا في وادي السيليكون، مما يعزز نفوذ هذه الرؤى داخل أروقة السلطة.

اليسار أيضًا يوسع الحدود

التحولات الفكرية لا تقتصر على اليمين. فقد أظهرت دراسة صادرة عن مركز كيتو اليميني أن 62% من الأميركيين بين 18 و29 عامًا يؤيدون الاشتراكية، بينما يفضّل 34% الشيوعية، ما يكشف عن ميل شبابي متصاعد نحو خطاب اقتصادي يساري راديكالي.

هذا التوجه لا يعكس فقط انقسامًا يسار/يمين، بل بالأحرى تحوّلاً أعمق نحو صراع بين الشعبوية والمؤسسات، تُدار فصوله على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الكتابة المستقلة.

ما الذي يجب أن يقلق المستثمرين؟

بالنسبة للمستثمرين، فإن تجاهل هذه التوجهات قد يكون بمثابة دخول في “غرفة صدى”، حيث تُسمع فقط الأصوات المطمئنة. لكن الواقع أن الشعبويين – من اليمين واليسار – باتوا قادرين على التأثير في شكل السياسات الاقتصادية المستقبلية، سواء عبر فرض ضرائب على الثروات أو التلاعب بمعدلات الفائدة أو التلاعب بالبنك المركزي.

الشعبوية تضر الأسواق… يمينًا ويسارًا

الدراسات الحديثة توضح أن الشعبويين، على اختلاف توجهاتهم، يتسببون في اضطرابات اقتصادية عميقة. ففي دراسة عام 2021، وجد الباحثان شتاكل ورود أن وصول الشعبويين إلى الحكم يرفع من تقلبات الأسواق المالية. أما دراسة أخرى صدرت مؤخرًا عن ثلاثة اقتصاديين ألمان، فوجدت أن الناتج المحلي في ظل حكم الشعبويين ينخفض بنسبة 10% خلال 15 عامًا.

كما أن اليمين الشعبوي، رغم تبنيه خطابًا صديقًا لرجال الأعمال، غالبًا ما ينقضّ على المؤسسات ويُضعف حكم القانون، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تآكل الثقة الاقتصادية. دراسة في “هارفارد بزنس ريفيو” أكدت أن عوائد الأسهم في ظل قادة شعبويين يمينيين تكون أقل من المؤشرات القياسية بنسبة 25% خلال فترة ولايتهم الأولى، وتصل إلى 50% بعد عقد من الزمن.

هل هي لحظة عابرة أم مسار طويل؟

يرى يارفن أن “ثورة ترامب الشعبوية” قد تكون في تراجع، وأن الإدارة الجديدة بدأت تفقد الزخم سريعًا. لكنه يقر أيضًا بأن مجرد تداول أفكاره وأفكار من هم على شاكلته في الإعلام والنقاشات السياسية هو دليل على اختراق متزايد للنسيج المؤسسي الأميركي.

ما يهدد الفيدرالي اليوم قد لا يتوقف عنده غدًا. فالمؤسسات التي تُضعف مرة، تصبح عرضة للتفكيك. والاقتصادات التي تخضع لمنطق الصخب الأيديولوجي، غالبًا ما تدفع الثمن لاحقًا… في صورة نمو أقل، واستقرار أقل، وثقة أقل.

اقرأ أيضاً

المحكمة العليا الأمريكية تحد من صلاحيات القضاة الفيدراليين ضد أوامر ترامب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى