الاقتصاد

الصين وعمالقة التمويل الدولي: هل يتمكن تكتل البريكس من إعادة صياغة القواعد؟ ( خاص)

مجموعة بريكس صندوقا استثماريا للدول الأعضاء

يشكل إطلاق صندوق استثماري مخصص لدول مجموعة بريكس، يُشرف على إدارته بنك التنمية الجديد الصيني، خطوة استراتيجية بارزة تُبرز القوة المالية والاقتصادية للصين، مما يعزز قدرتها على منافسة البنك الدولي بشكل فعّال

مجموعة بريكس صندوقا استثماريا للدول الأعضاء

 

وتقول الدكتورة رشا السيد محمد السلاب، في تصريحات لـ ” العالم في دقائق” قائلة ” إنه في خطوة تعكس الطموح المتزايد لدول البريكس، تم الإعلان مؤخرًا عن إطلاق صندوق استثماري جديد تحت إدارة بنك التنمية الجديد (NDB)، والذي يمثل الذراع المالية للمجموعة. الهدف الواضح من هذه الخطوة هو البحث عن بديل وتحدٍّ لمؤسسات التمويل الدولية التقليدية، مثل البنك الدولي.

وبهذا السياق، يبرز تساؤل هام حول قدرة الصين، بصفتها المحرك الرئيسي للتكتل، على قيادة هذا التحول وإحداث نقلة نوعية نحو نظام مالي عالمي أكثر تنوعًا”.

لطالما سعت دول البريكس، وفي مقدمتها الصين، إلى تقليص النفوذ التقليدي للدول الغربية المهيمنة على مؤسسات التمويل التي تأسست في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومن هذا المنطلق، تأسس بنك التنمية الجديد في عام 2014 كجهة تعمل على دعم مشاريع التنمية، خصوصًا في الدول النامية والأسواق الناشئة، مع تركيز واضح على تطوير البنية التحتية ودعم الممارسات التنموية المستدامة.

الصين وعمالقة التمويل الدولي: هل يتمكن تكتل البريكس من إعادة صياغة القواعد؟
الصين وعمالقة التمويل الدولي: هل يتمكن تكتل البريكس من إعادة صياغة القواعد؟

القوة الصينية تتصدر المشهد

وأوضحت أن الصين، بثقلها الاقتصادي الضخم، تمثل حتمًا العنصر الأساسي في هذه المغامرة التنافسية، فهي ثاني أكبر اقتصاد عالمي من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي والأكبر وفقًا لتعادل القوة الشرائيةبفضل احتياطاتها النقدية الهائلة وقدراتها الاستثمارية الواسعة، تمكنت الصين من تمويل مشروعات عالمية ضخمة عبر مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق، التي تجاوزت تكلفتها بشكل واضح حجم خطة مارشال الشهيرة، كما أن الصين تُعد أكبر مُصدر ومصنّع للسلع عالميًا، إضافة إلى ما تحققه من إنجازات في الابتكار والنمو التكنولوجي.

وأشارت إلى أن حتى البنك الدولي ذاته أبرز في تقارير سابقة الأثر المتزايد للنمو الصيني على الاقتصاد العالمي. وعلى صعيد الاستثمار الأجنبي المباشر، كانت الصين الوجهة الأولى عالميًا له خلال عام 2020، ما يعكس جاذبية سوقها الاقتصادي.

ووضحت بعض تحديات المنافسة: الواقع ليس بسيطًا

ومع ذلك، فإن مواجهة مؤسسة عريقة كالبنك الدولي ليست بالأمر السهل، حيث تواجه الصين وبنك التنمية الجديد العديد من التحديات الرئيسية:

أولًا: حجم التمويل والخبرة
على الرغم من أن بنك التنمية الجديد تمكن منذ إنشائه من الموافقة على مشاريع تمويل بقيمة تفوق 39 مليار دولار أمريكي، إلا أن هذا الرقم يظل ضئيلًا إذا ما قورن بالمليارات التي يضخها البنك الدولي سنويًا في مشاريع التنمية. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك البنك الدولي خبرة تمتد لعقود طويلة وقدرة كبيرة على التعاطي مع القضايا التنموية المعقدة بفضل شبكاته الواسعة من العلاقات وكوادره المتخصصة.

ثانيًا: بناء الثقة والشفافية

يُعتبر البنك الدولي رمزًا للثقة فيما يتعلق بالأسواق المالية الدولية، في حين لا يزال بنك التنمية الجديد في مرحلة بناء سمعته العالمية. ورغم التحسن الملحوظ في تصنيفاته الائتمانية، فإن الوصول إلى مستويات عالية من موثوقية المستثمرين يتطلب وقتًا طويلًا. علاوة على ذلك، تثار تساؤلات متكررة حول الشفافية المرتبطة ببعض المبادرات التمويلية الصينية وآليات الإقراض.

ثالثًا: تحديات داخلية للبريكس

يواجه تكتل البريكس تضاربًا داخليًا بين أعضائه بسبب الفجوات الاقتصادية والسياسية بينهم. هذه الاختلافات قد تؤثر على فعالية اتخاذ القرارات داخليًا وعلى نجاح مشاريع الصندوق الاستثماري. كما لا تزال فكرة تعزيز التجارة الداخلية باستخدام العملات المحلية أو تأسيس عملة موحدة تواجه عقبات تقنية وتنظيمية متعددة.

رابعًا: شروط الإقراض ومدى الاستدامة

تعترض العديد من الدول النامية على الشروط السياسية والاقتصادية التي تربط بها المؤسسات الغربية قروضها. وفي المقابل، يسعى بنك التنمية الجديد إلى تقديم قروض لا تحمل شروطًا سياسية ثقيلة. لكن السؤال المطروح هو مدى استدامة هذا النهج على المدى الطويل والكيفية التي سيُدار بها المخاطر الناتجة عنه.

خامسًا: الالتزامات البيئية والاجتماعية

يمتلك البنك الدولي معايير صارمة فيما يتعلق بالاعتبارات البيئية والاجتماعية للمشاريع التي يدعمها. إذا أراد بنك التنمية الجديد كسب قبول عالمي أوسع، فعليه أن يظهر التزامًا مكافئًا أو أفضل بهذه المعايير لضمان الشرعية

واختتمت حديثها بان الصين بالفعل القوة الاقتصادية والإمكانات اللازمة لتكون لاعبًا أساسيًا في مجال التمويل الإنمائي العالمي، ويعتبر بنك التنمية الجديد أداة رئيسية لتحقيق طموحات دول البريكس، مع ذلك، فإن مفهوم “التنافس” مع البنك الدولي لا يعني بالضرورة سباقًا مباشرًا لتحقيق الفوز بجميع المشاريع، بل يشير الأمر إلى تحول محتمل نحو نظام مالي عالمي أكثر تنوعًا، حيث تتوفر بدائل لمصادر التمويل التقليدية.

الصين ستدفع العالم كله نحو استخدام العملة الجديدة

ويؤكد الدكتور السيد خضر، الخبير الاقتصادي، في تصريحاته لـ “العالم في دقائق” أن مجموعة البريكس قد تواجه مجموعة من التحديات، لكنها ستتمكن من تحقيق النجاح، موضحا  أن الصين، إذا تمكنت من السيطرة على الأمور، ستدفع العالم بأسره نحو استخدام العملة الجديدة.

الصين وعمالقة التمويل الدولي: هل يتمكن تكتل البريكس من إعادة صياغة القواعد؟
الصين وعمالقة التمويل الدولي: هل يتمكن تكتل البريكس من إعادة صياغة القواعد؟

 

وفي هذا السياق، قال الباحث الاقتصادي الدكتور أحمد البلتاجي إن الصين تتمتع فعليًا بقدرة تنافسية قوية لتواجه البنك الدولي لأسباب متعددة، ومن أبرزها:

الموارد الاقتصادية: تمتلك الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي واحتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية، مما يمنحها القدرة اللازمة لتمويل المشاريع الكبرى بكفاءة.

البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية: بفضل خبرتها السابقة في إدارة مؤسسات مالية دولية، مثل هذا البنك، استطاعت جذب مشاركة العديد من الدول، مما يعزز من مكانتها وقدرتها على التأثير في النظام المالي العالمي.

التجربة التنموية: نجحت الصين في التغلب على مشكلات الفقر عبر تنمية مشاريع اقتصادية واجتماعية مميزة، مما يعكس خبرتها وقدرتها على تقديم نموذج تنموي ملهم.

الدعم السياسي: تمثل مجموعة “بريكس” منصة اقتصادية وسياسية قوية تضم دولًا مثل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ومع إمكانية طرح فكرة إطلاق عملة مشتركة لهذه المجموعة، يمكن لهذه الخطوة أن تحد من الهيمنة المطلقة للدولار على الاقتصاد العالمي.

الصين وعمالقة التمويل الدولي: هل يتمكن تكتل البريكس من إعادة صياغة القواعد؟
الصين وعمالقة التمويل الدولي: هل يتمكن تكتل البريكس من إعادة صياغة القواعد؟

 

أقرا أيضا

رشا السلاب لـ ” العالم في دقائق” الأوساط العالمية تترقب اجتماع البنك المركزي

نوران الرجال

نوران الرجال باحثة اقتصادية وكاتبة صحفية متخصصة في شؤون النقل البحري والاقتصاد البحري، وتشغل عضوية لجنة النقل البحري بالجمعية العمومية العلمية للنقل. كما تتولى منصب المدير العام لمركز العربي للأبحاث البحرية والاستراتيجية، حيث تسهم في صياغة الرؤى وتقديم الدراسات الداعمة لتطوير قطاع النقل البحري في المنطقة العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى