العالم على أعتاب سباق تسلح نووي جديد: تقرير معهد ستوكهولم يحذر من تصاعد الخطر
تسع دول ومنهم الصين تعمل على تحديث برنامجها النووي

في وقت تتلاشى فيه الاتفاقيات وتتصاعد حدة الخطابات، يشير تقرير جديد إلى أن العصر الذي شهد تقليصًا تدريجيًا في الترسانات النووية بات من الماضي، ليحل محله مشهد دولي أكثر اضطرابًا وتهديدًا.
حذر تقرير سنوي صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) من أن العالم يشهد مجددًا تزايدًا في أعداد الأسلحة النووية، بعد عقود من التراجع التدريجي. التقرير، الذي حمل عنوان SIPRI Yearbook 2025، كشف أن تسع دول نووية تواصل توسيع أو تحديث ترساناتها، مع تصاعد القلق العالمي حول وتيرة التسلح السريع في الصين.
12 ألف رأس نووي… والعقيدة تتغير
حتى يناير 2025، قدر التقرير عدد الرؤوس النووية في العالم بنحو 12,241 رأسًا نوويًا، منها 9,614 مخزنة لأغراض عسكرية و3,912 جاهزة للإطلاق من منصات صواريخ أو طائرات. والأخطر أن قرابة 2,100 رأس منها في “درجة تأهب قصوى”، ومعظمها بيد روسيا والولايات المتحدة. لكن المقلق هو أن الصين، حسب التقرير، بدأت على ما يبدو في الاحتفاظ ببعض رؤوسها النووية على الصواريخ حتى في وقت السلم، ما يعكس تحولًا نوعيًا في عقيدتها النووية.
الصين تدخل نادي الكبار بسرعة صاروخية
منذ عام 2023، أضافت الصين نحو 100 رأس نووي سنويًا، ليصل إجمالي ترسانتها إلى ما لا يقل عن 600 رأس. وبحسب التقرير، فإن بكين انتهت أو شارفت على إنهاء بناء 350 صومعة جديدة للصواريخ العابرة للقارات (ICBM)، ما قد يمكنها من مجاراة روسيا أو الولايات المتحدة من حيث عدد هذه الصواريخ بحلول أوائل ثلاثينيات هذا القرن.
نهاية عصر الحد من التسلح
يرى الباحث البارز هانز كريستنسن أن “حقبة تقليص الأسلحة النووية التي بدأت مع نهاية الحرب الباردة قد انتهت بالفعل”. فمع تصاعد الخطابات النووية الحادة وانهيار الاتفاقيات الدولية، يبدو العالم مقبلًا على مرحلة أكثر تعقيدًا وخطورة. وإذا لم يُستبدل اتفاق “ستارت الجديدة” الذي ينتهي في 2026، فإن عدد الرؤوس النووية الأمريكية والروسية المنشورة سيبدأ في الارتفاع مجددًا.
الولايات المتحدة وروسيا تواصلان التحديث رغم العراقيل
ما زالت روسيا والولايات المتحدة تحتفظان بـحوالي 90% من الترسانة النووية العالمية، وتواصلان تحديث أنظمتهما، رغم التحديات. فبرنامج الصواريخ الروسية “سارمات” يواجه تأخيرات، في حين تواجه واشنطن عراقيل تمويلية تهدد بنسف خططها المستقبلية في هذا المجال.
ذكاء اصطناعي وكوانتم… والأسلحة تدخل مرحلة جديدة
يرى مدير معهد SIPRI دان سميث أن العالم مقبل على سباق تسلح جديد “أكثر خطورة وغموضًا من سابقه”، مشيرًا إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، وأنظمة الدفاع الصاروخي المتقدمة تقلب موازين الردع النووي وتجعلها أكثر هشاشة.
أوروبا وآسيا تدخلان على خط التحديث
لم تعد الحمى النووية حكرًا على القوى الكبرى. ففرنسا تعمل على تطوير أنظمة صواريخ وغواصات جديدة، وبريطانيا رفعت سقف رؤوسها النووية. أما الهند وباكستان فتسعيان لتوسيع قدراتهما الصاروخية. وتقول التقديرات إن كوريا الشمالية تمتلك الآن نحو 50 رأسًا نوويًا، ومواد انشطارية كافية لصنع المزيد، بينما يواصل زعيمها كيم جونغ أون دعواته لـ”توسيع غير محدود” للبرنامج النووي.
إسرائيل في الظل… ولكنها تتحرك
رغم أنها لم تؤكد رسميًا امتلاكها للسلاح النووي، إلا أن التقرير يشير إلى أن إسرائيل تعمل على تحديث قدراتها، من خلال تجارب دفع يُعتقد أنها مرتبطة بمنظومة صواريخ “أريحا”، بالإضافة إلى تحديثات في مفاعل ديمونة.
غياب الحوار… وتلاشي الأمل
يشير التقرير إلى انهيار الأطر التقليدية للرقابة على التسلح، إذ لا توجد محادثات جارية مع روسيا أو الصين بشأن أي اتفاقيات جديدة، ولا يوجد بديل قيد النقاش لاتفاق “ستارت”. ويؤكد سميث أن الأساليب القديمة التي تعتمد على الأرقام لم تعد تكفي، فالعالم يحتاج إلى نماذج جديدة أكثر تعقيدًا تتماشى مع طبيعة التهديدات المعاصرة.
المشاركة النووية… باب جديد لانتشار الخطر
يحذر التقرير من تصاعد الحديث حول ترتيبات “المشاركة النووية”، خصوصًا في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. هذا التوجه، إذا ما توسع، قد يُدخل مزيدًا من الدول في المشهد النووي، ويزيد من احتمالات الخطأ أو التصعيد غير المحسوب.
الردع لم يمنع الحرب… والدليل كشمير
في إشارة لافتة، يؤكد الباحث مات كوردا أن “الأسلحة النووية لم تمنع النزاعات، كما أظهرت المواجهة الأخيرة بين الهند وباكستان”. بل على العكس، فإن وجود هذه الأسلحة يزيد من مخاطر التصعيد، خاصة في ظل انتشار المعلومات المضللة وضعف قنوات الاتصال.
خاتمة
ما يقدمه تقرير معهد SIPRI ليس مجرد أرقام وتحليلات تقنية، بل تحذير واضح من زحف عالم جديد أكثر اضطرابًا، حيث لا تحكمه اتفاقيات، ولا تردعه قواعد الردع التقليدية. وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي لاحتواء هذا السباق، فقد يجد العالم نفسه في لحظة حاسمة حيث الخطأ الواحد قد يعني الكارثة.