الملك الأردني الأكثر أمريكية: عبد الله الثاني… رهانات كبرى على التحالف مع واشنطن
تطبيع العلاقات بين واشنطن والأردن.. وتصاعد الاحتجاجات الأردنية رافضة التطبيع

منذ توليه الحكم عام 1999، راهن الملك عبد الله الثاني على العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة كحجر أساس لاستقرار حكمه واستمرار نظامه، حتى لو كان ذلك على حساب المزاج الشعبي الأردني.
زيارة استثنائية في لحظة حرجة
رغم زياراته المتكررة إلى واشنطن، فإن زيارة الملك عبد الله في فبراير 2015 كانت مختلفة. فقد جاءت بعد انضمام الأردن للتحالف الأمريكي ضد تنظيم داعش، ما أثار غضبًا داخل المملكة. إذ وقع 21 نائبًا أردنيًا التماسًا لرفض المشاركة، محذرين من تعاطف شريحة من المجتمع مع التنظيم.
مأساة الطيار قصابسة: نقطة التحول
أزمة التحالف بلغت ذروتها حين أسرت داعش الطيار الأردني معاذ الكساسبة في ديسمبر 2014 وأحرقته حيًا في مشهد صادم. الملك عبد الله تعهد بالانتقام، واستشهد خلال زيارته للكونغرس بفيلم أمريكي عن الثأر، ما أثار إعجاب النواب الأمريكيين لكنه لم يهدئ الشارع الأردني الغاضب.
ثمن الولاء الأمريكي: احتجاجات الداخل ورضا الخارج
فيما أثنى المسؤولون الأمريكيون على شجاعة الملك و”الشرعية العربية” التي منحها للتحالف، تصاعدت الاحتجاجات في الأردن متهمة عبد الله بـ”بيع البلاد مقابل الدولارات الأمريكية”. وهو مشهد تكرر لاحقًا في عدة مناسبات خلال عهده.
من حرب العراق إلى حرب غزة: تحالف لا ينكسر
سبق للملك عبد الله أن فتح أجواء الأردن أمام الطائرات الأمريكية خلال غزو العراق عام 2003، وسهّل نشر القوات الأمريكية على أراضيه، ما ضمن تدفق المساعدات الأمريكية التي تجاوزت 12 مليار دولار منذ 2018. لكن الخطاب الرسمي الأردني كان دومًا محاطًا بغضب داخلي.
السلام مع إسرائيل: ثابت رغم الانقسام
رغم ارتفاع أعداد القتلى في غزة منذ أكتوبر 2023، رفض عبد الله إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل، وتعاون مع إدارتَي بايدن وترامب لإسقاط صواريخ إيرانية أُطلقت على إسرائيل، ما فُسر داخليًا كدعم لدولة الاحتلال.
نخب سياسية تحب واشنطن… وشعب يرفض التطبيع
الملك تلقى مديحًا كبيرًا من صناع القرار في واشنطن. لكن في شوارع عمان، تصاعدت الاحتجاجات الرافضة لتورط الأردن في حماية إسرائيل أو استقبال لاجئين فلسطينيين ضمن خطط “تطهير غزة” التي ألمح إليها ترامب.
الملك الأمريكي: تعليم أمريكي وحياة أمريكية
الملك عبد الله لا يُخفي جذوره الأمريكية. فقد تلقى تعليمه في مدارس وجامعات أمريكية مرموقة، وتدرّب مع الجيش الأمريكي، وظهر في إحدى حلقات Star Trek، وجلس ضيفًا مع جون ستيوارت على قناة Comedy Central. حتى لغته الإنجليزية في بداية حكمه كانت أقوى من لغته العربية.
زيارة البيت الأبيض ورفض التوطين
في يناير 2025، التقى عبد الله بالرئيس ترامب الذي طالب علنًا باستقبال لاجئين فلسطينيين من غزة داخل الأردن. وردّ الملك بالرفض القاطع، لكنه اختار أن يصوغ موقفه بدبلوماسية أمام الإعلام، واصفًا ترامب بأنه “رجل سلام”، ما جنّبه تصعيدًا علنيًا.
الثمن: استمرار المساعدات الأمريكية
رغم رفض التوطين، أعلن ترامب أن عبد الله “واحد من أعظم القادة في العالم”، وتعهّدت إدارته باستئناف المساعدات السنوية للأردن. بدا المشهد وكأن عبد الله نجح في تحقيق التوازن الصعب: قول “لا” لترامب من دون إغضابه.
تحالف مستقر رغم تقلب الإدارات
على عكس العلاقات المتوترة التي جمعت واشنطن بحلفاء عرب آخرين مثل السعودية وقطر، حافظ عبد الله على صداقة دائمة مع رؤساء أمريكا الثلاثة: أوباما وترامب وبايدن. الأردن كان أول بلد عربي يوقع اتفاقية تجارة حرة مع أمريكا، وأول من استقبل قوات أمريكية بشكل دائم.
بين واشنطن وعمان: معادلة غير متكافئة
تاريخيًا، لم يتردد الملك عبد الله في اتخاذ خطوات لا تحظى بشعبية داخلية إذا ما ضمنت دعم واشنطن. لكنه اليوم يواجه واقعًا أكثر تعقيدًا، إذ يزداد الغضب الشعبي في ظل أزمات اقتصادية وسياسية متصاعدة.
النهاية المفتوحة: أميركا أولًا… لكن إلى متى؟
في نهاية المطاف، لا يزال عبد الله أكثر الملوك العرب قربًا من واشنطن — بقراراته، وتعليمه، وحتى أسلوبه. لكن استمرار هذا التحالف دون مراجعة داخلية قد يكون مكلفًا، خاصة إذا تراكمت التحديات الداخلية التي لم تعد تُحل بالرضا الأمريكي وحده.