
في مشهد يعكس صراع الإرادات داخل واحدة من أكثر شركات التكنولوجيا إثارة للجدل، أعلنت ليندا ياكارينو استقالتها من منصب الرئيسة التنفيذية لمنصة X – تويتر سابقًا – بعد عامين حافلين بالتقلبات، كانت فيهما بمثابة “الدبلوماسية الإعلانية” في وجه صخب إيلون ماسك. استقالتها لم تكن مفاجئة، بل نهاية متوقعة لمسار تصادمي تصاعد مع استحواذ ماسك على المنصة وتداخله المتزايد في تفاصيل إدارتها، لا سيما بعد دمجها مع شركته للذكاء الاصطناعي xAI. وبينما تُغلق ياكارينو باب وول ستريت خلفها، تُفتح أبواب السياسة والإعلام في واشنطن أمام شخصية عرفت كيف تنجو من الأعاصير، لكنها لم تنجُ من ظل ماسك.
مهمة مستحيلة: إعادة ثقة المعلنين في ظل فوضى ماسك
حين انضمت ياكارينو إلى X في 2023 بعد نجاحها في NBCUniversal، كانت مهمتها تبدو واضحة: استعادة المعلنين الذين هربوا عقب استحواذ ماسك. لكن التحدي كان مضاعفًا؛ فالرجل الذي عيّنها كان نفسه من قال علنًا للمعلنين المترددين: “اذهبوا إلى الجحيم”. نجحت ياكارينو جزئيًا في هذه المهمة عبر علاقاتها الواسعة مع كبرى العلامات التجارية، لكنها لم تستطع كبح جماح مالك المنصة، الذي واصل اتخاذ قرارات أحادية تضر بالثقة والبيئة الإعلانية.
علاقة بلا تناغم: بين “مخملية مانهاتن” و”صراحة وادي السيليكون“
مصادر داخلية أكدت أن العلاقة بين ياكارينو وماسك لم تُزهر يومًا، بعكس ما حدث بين شيريل ساندبرغ ومارك زوكربيرغ في فيسبوك. فبينما كانت ياكارينو تميل إلى الدبلوماسية والواجهات المصقولة، كان ماسك يبحث عن المواجهة والتغيير الجذري السريع. ووفق مقربين، فإن ماسك شعر بأنها تضع “لمسة تجميلية” على الواقع الإعلاني، بينما كان يريد تقييمًا فوريًا وحادًا.
خسارة النفوذ: القرارات الكبرى لم تعد تمر بها
خلال الأشهر الأخيرة، ومع عودة ماسك إلى إدارة أعماله بعد فتور علاقته مع إدارة ترامب، بدأ يتخذ قرارات مباشرة دون الرجوع إلى ياكارينو، حتى في المجال الذي يُفترض أنه اختصاصها: الإعلانات. قرارات مثل حظر الوسوم المدفوعة وتغيير نموذج التسعير، نُفذت دون تنسيق معها. كما تم تعيين مدير مالي جديد ومباشر لمسك، وهو ما همّش دورها أكثر.
صدمات داخلية وخارجية: من “دون ليمون” إلى “غروك“
تفاقمت التوترات بعد صفقة أبرمتها ياكارينو مع الإعلامي دون ليمون، الذي أجري لاحقًا مقابلة صدامية مع ماسك، ما دفع الأخير لإلغاء العقد، ودفع ليمون لمقاضاة المنصة. وبالتزامن مع استقالتها، كان روبوت الدردشة “غروك” الذي طورته xAI يثير فضيحة جديدة بعد نشره محتوى معادٍ للسامية، ما أعاد تسليط الضوء على غياب الرقابة الفعّالة، وهو ملف كانت ياكارينو تعتبره أساسيًا، لكن دون صلاحيات حقيقية فيه.
ما بعد X: هل تتجه ياكارينو إلى السياسة؟
رغم خروجها من X، لم تخسر ياكارينو موقعها في شبكة النفوذ السياسي الأمريكية. تربطها علاقات وثيقة بإيفانكا ترامب، ومسؤولين بارزين في إدارة ترامب الثانية مثل تولسي غابارد وسكوت تورنر. وبينما يُنظر إليها الآن كاسم محتمل في حملة حرية التعبير أو حتى في الإدارة الأمريكية المقبلة، يرى البعض أن دفاعها الدائم عن ماسك قد يعيق فرصها في العودة إلى عالم الإعلام التقليدي.
إرث مُركب: إنجازات رغم الجحيم
برغم كل الانتقادات، يُحسب لياكارينو أنها أعادت جزءًا من المعلنين إلى المنصة، وإن كان ذلك “تحت التهديد”، كما وصف بعضهم. واستحدثت خدمات مالية ومحتوى رياضي جديد، وساهمت في بقاء X على قيد الحياة خلال مرحلة تراجع حاد في الإيرادات. ويكفيها أنها صمدت لعامين في بيئة وصفها زملاؤها بأنها كانت كفيلة بسحق أي مدير خلال أسبوعين فقط.