جولة ترامب الآسيوية تفتح نافذة أمل جديدة في العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين

في الوقت الذي يتجه فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى آسيا في جولة تشمل عدة محطات إستراتيجية، أعلنت الولايات المتحدة أن المفاوضات التجارية مع الصين في كوالالمبور كانت “بناءة جدًا”، في مؤشر أولي على تحسن نسبي في أجواء العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم. اللقاء الذي يأتي قبل أيام من اجتماع مرتقب بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، يهدف إلى تهدئة التوتر المتصاعد ومنع انهيار الهدنة التجارية القائمة، والتي تنتهي في العاشر من نوفمبر المقبل. ويُنظر إلى هذه المحادثات باعتبارها اختبارًا جديدًا لقدرة البلدين على إدارة الخلافات العميقة حول الرسوم الجمركية والقيود الاقتصادية، وسط مخاوف من تداعيات أي فشل على أسواق المال وسلاسل الإمداد العالمية.
تفاصيل المفاوضات بين الوفدين
جرت المباحثات في برج مرديكا 118، ثاني أعلى مبنى في العالم، واستمرت لأكثر من خمس ساعات ونصف من المناقشات المغلقة بين كبار المسؤولين من الجانبين. ترأس الوفد الصيني نائب رئيس الوزراء هي ليفنغ، بمشاركة ممثل التجارة لي تشينغقانغ ونائب وزير المالية لياو مين، بينما قاد الجانب الأمريكي وزير الخزانة سكوت بيسنت، أحد المقربين من ترامب. واكتفت وزارة الخزانة الأمريكية بوصف الجلسة بأنها “مثمرة وبناءة”، مؤكدة استمرارها الأحد المقبل، في حين فضلت بكين عدم الإدلاء بأي تعليقات رسمية. ويشير محللون إلى أن تحفظ الصين يأتي في إطار رغبتها في الحفاظ على سرية المداولات لتجنب أي تسريبات قد تؤثر على سير الحوار أو تستخدم سياسيًا من قبل واشنطن.
الأبعاد الاقتصادية والسياسية
تسعى واشنطن وبكين من خلال هذه المفاوضات إلى خفض حدة التصعيد الاقتصادي المتبادل، خاصة بعد جولات متتالية من فرض رسوم جمركية وصلت نسبتها إلى أكثر من 150٪ على سلع حيوية. ومن المنتظر أن يلتقي ترامب وشي على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ “APEC” في كوريا الجنوبية، في مسعى للتوصل إلى اتفاق تجاري جزئي جديد يعيد الثقة إلى الأسواق العالمية. وقال ترامب خلال رحلته إلى آسيا إن بلاده “تريد من الصين تقديم تنازلات، وربما نقدم نحن أيضًا”، مضيفًا أن الوضع الحالي “غير قابل للاستمرار”، في إشارة إلى سعيه لإعادة التوازن في العلاقات التجارية مع بكين.
أهداف جولة ترامب الآسيوية
تحمل جولة ترامب إلى آسيا أبعادًا تتجاوز الجانب التجاري، إذ تسعى واشنطن لتعزيز حضورها الاقتصادي في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي. وسيلتقي الرئيس الأمريكي الأحد رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم لمناقشة قضايا التجارة والأمن والاستثمار، إلى جانب توقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة. وتشير تقارير بلومبرغ إلى أن إدارة ترامب تركز على شراكات في مجالات المعادن النادرة والعناصر الحيوية مع حلفاء آسيويين لضمان الوصول إلى المواد الإستراتيجية التي تعتمد عليها الصناعات التكنولوجية والعسكرية. هذه التحركات تأتي ضمن إستراتيجية أمريكية أوسع لإعادة بناء سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على الصين في الصناعات الحساسة.
تصاعد في الإجراءات المتبادلة
شهدت الأسابيع الماضية سلسلة من التصريحات الحادة بين واشنطن وبكين، بعد أن هدد ترامب بفرض رسوم جمركية قياسية على الصين ردًا على قيودها المفروضة على تصدير العناصر الأرضية النادرة. وردت بكين بتشديد الرقابة على صادرات المواد الحيوية مع التأكيد أن هذه الخطوات “لن تعرقل التجارة الطبيعية”. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات المتبادلة أعادت المخاوف من اندلاع حرب تجارية جديدة بين الطرفين، في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي ضغوطًا متزايدة نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة واضطراب سلاسل الإمداد. ويخشى الخبراء من أن أي تصعيد إضافي قد يفاقم حالة التباطؤ في الأسواق الآسيوية والعالمية.
تداعيات على الاقتصاد العالمي
أدت الحرب التجارية الممتدة منذ سنوات بين الصين والولايات المتحدة إلى إرباك سلاسل التوريد العالمية وتغيير خريطة الصادرات في آسيا. فقد رفعت الصين حجم صادراتها إلى دول جنوب شرق آسيا والاتحاد الأوروبي لتعويض خسائرها في السوق الأمريكية، بينما لجأت الشركات المتعددة الجنسيات إلى تنويع مواقع إنتاجها لتجنب الرسوم المرتفعة. وخلال قمة آسيان، دعا وزير الخارجية الماليزي محمد حسن الطرفين إلى التحلي بالحكمة، مؤكدًا أن “أي اتفاق بين واشنطن وبكين سيكون مكسبًا للعالم كله، خصوصًا لمنطقتنا التي تعتمد على استقرار التجارة العالمية لضمان النمو الاقتصادي المستدام”.
آفاق التفاهم وصعوبة الطريق
رغم أن المحادثات الأخيرة وصفت بأنها “بناءة جدًا”، إلا أن الطريق نحو اتفاق شامل لا يزال طويلًا وشاقًا في ظل تباين المصالح بين واشنطن وبكين. فالولايات المتحدة تسعى إلى إعادة هيكلة العلاقة الاقتصادية على أسس أكثر توازنًا، بينما تتمسك الصين بسياساتها الصناعية التي تعتبرها ضرورية للحفاظ على نموها الداخلي. ويرى محللون أن اللقاء المرتقب بين ترامب وشي سيكون لحظة حاسمة لتحديد مستقبل الهدنة التجارية بين البلدين، إذ إن نجاحه قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون، بينما سيؤدي فشله إلى إعادة إشعال المواجهة الاقتصادية الأكبر في العالم.



