الوكالات

فايننشال تايمز | لماذا تكره الإنترنت اسمي؟ حين تتحول الهوية الشخصية إلى “خطأ برمجي”

حين ترفضك الخوارزميات: أزمة الأسماء في زمن الرقمنة

عندما تحجز تذكرة طيران، قد لا تتوقع أن يرفض النظام اسمك. لكن إن كان اسمك يحتوي على حرف مميز مثل الفاصلة العليا (’)، فإنك تدخل في معركة يومية مع أنظمة إلكترونية لا تعترف بك كما أنت. الصحفية البريطانية سارة أكونور تستعرض هذه المعضلة الشخصية، التي تمثل تحديًا رقميًا واسع النطاق، يعاني منه الملايين من أصحاب “الأسماء المعقدة“.

 

1. مأزق الحروف الخاصة: تجربة شخصية تتحول إلى ظاهرة

تبدأ سارة حكايتها بمحاولة حجز تذكرة سفر، حيث يطلب منها إدخال اسمها كما هو في جواز السفر: “O’Connor”، لكن النظام يرفض الحرف. ثم تظهر رسالة مناقضة: “لا تستخدم حروفًا ذات علامات خاصة!” والنتيجة؟ الاسم مرفوض.

 

2. بين نظام لا يرحم وهوية لا تتغير

الخلل لا يكمن في الاسم، بل في الأنظمة التي ترفض الاعتراف بتنوع الأسماء البشرية. تُجبر على حذف أو تغيير الحرف الذي يشكل جزءًا من هويتك لتتوافق مع “لغة الآلة”.

 

3. أوجه المعاناة اليومية: من البريد إلى المستشفيات

تقول سارة إنها تتلقى طرودًا باسم مشوّه “Sarah O&#39Connor”، وهي الصيغة البرمجية للفاصلة. المشكلة تتفاقم عندما يتم إدخال الاسم بشكل خاطئ في قاعدة بيانات، ليُقال لها: “أنتِ غير مسجلة لدينا” — سواء في مطعم أو مستشفى، وهي لحظة يتقاطع فيها التوتر مع العبث.

 

4. الآخرون في “نادي الأسماء المرفوضة”

بعد منشور على وسائل التواصل، غمرتها التعليقات من آخرين يعانون من نفس المشكلة: أصحاب الأسماء التي تحوي شرطات، أو علامات لهجية، أو فراغات. حتى الطول “غير المناسب” للاسم قد يُعتبر خطأ.

 

5. لكن لماذا لم تُحل المشكلة بعد؟

رغم مرور أكثر من 30 عامًا على إطلاق الإنترنت، لا تزال هذه الإشكاليات قائمة. هناك أسباب فنية مثل الخوف من هجمات إلكترونية تُستغل فيها علامات مثل الفاصلة (SQL injection)، لكنها اليوم أعذار غير مبررة.

 

6. البرمجة الكسلانة: عدو التنوع البشري

أنظمة كثيرة ترفض التعامل مع الأسماء المعقدة فقط لتفادي أي تداخل برمجي، رغم توفر حلول آمنة. السبب يعود غالبًا إلى مبرمجين متسرعين أو أنظمة لا تثق بأن الأنظمة الأخرى ستتعامل معها بشكل سليم.

 

7. الأساطير البرمجية حول الأسماء

الكاتب والمبرمج باتريك ماكينزي كتب في 2010 مقالًا بعنوان “الأكاذيب التي يصدقها المبرمجون عن الأسماء”، أصبح منذ ذلك الحين مرجعًا شهيرًا. ورغم الوعي المتزايد، لا تزال الملايين من الأنظمة بحاجة لإصلاح.

 

8. الجانب المظلم للتحول الرقمي

ما يبدو للبعض مجرد “إزعاج بسيط”، يمكن أن يكون كارثيًا لمن لا يتقن اللغة، أو لا يمتلك المهارات الرقمية. بالنسبة لهؤلاء، الفشل في إدخال الاسم بشكل صحيح يعني ببساطة الخروج من النظام الاجتماعي أو الحكومي.

 

9. هل نُغيّر أسماءنا لتناسب الآلة؟

الخطر الصامت هو أننا في سبيل الراحة والامتثال، قد نُقصي أجزاء من هويتنا، ونُعيد تشكيل أسمائنا لتصبح “مقبولة رقميًا”، مما يهدد التنوع الثقافي واللغوي باسم الكفاءة.

 

10. السخرية من المستقبل: هل الاختفاء الرقمي نعمة؟ 

في مفارقة طريفة، تشير أكونور إلى أنه لو لم تُحذف الفاصلة من اسم “Sarah Connor” في فيلم “المدمر”، ربما ما كان الروبوت قد وجدها! ففي عصر تُلاحقنا فيه الخوارزميات، قد يكون اسم غير قابل للقراءة آليًا درعًا ضد الانكشاف.

 

11. أنا غير قابلة للقراءة الآلية… وهذا فخر!

تختم الكاتبة بسخرية ذكية: “أنا لست قابلة للقراءة من قبل الآلات. وهذا يشعرني بالسرور.” وتدعو من يشاركونها المعاناة لصنع شارة كتب عليها هذه العبارة.

اقرأ أيضاً روسيا تعلن إسقاط “طائرة أم” أوكرانية تحمل مسيّرات هجومية

خاتمة: دعوا الآلات تتعلم أسماءنا، لا العكس

تُظهر هذه القصة كيف يمكن لتفصيلة بسيطة أن تكشف عن مشكلات أعمق في العلاقة بين الإنسان والتقنية. فبدل أن يُجبر الإنسان على “التبسّط” ليتوافق مع الآلة، ينبغي أن تتطور الأنظمة التكنولوجية لتستوعب ثراء التجربة البشرية وتعقيدها — حرفًا بحرف.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى