الوكالات

هدنة قلقة: كم تدوم وقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلاند؟

في خطوة تضع حدًا مؤقتًا لأعنف تصعيد عسكري تشهده الحدود بين تايلاند وكمبوديا منذ أكثر من عقد، أعلن قادة البلدين التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يبدأ منتصف ليل الإثنين. الإعلان جاء بعد خمسة أيام دامية من المواجهات التي خلّفت 36 قتيلًا ومئات الآلاف من النازحين، وسط ضغوط دولية متزايدة قادتها الولايات المتحدة وماليزيا لإنهاء القتال.

المحادثات التي استضافتها مدينة بوتراجايا الماليزية، جمعت للمرة الأولى رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت والقائم بأعمال رئيس الوزراء التايلاندي فومتام ويتشاياشاي، في لقاء وُصف بـ”الحرج” بسبب استمرار القصف حتى صباح يوم اللقاء نفسه. إلا أن بعد الظهر شهد هدوءًا نسبيًا، ما أفسح المجال لخطاب دبلوماسي أكثر مرونة.

توقيت حساس وتدخل خارجي

اللقاء جاء بعد ضغوط مباشرة مارستها الولايات المتحدة، التي حذرت البلدين من استمرار القتال، وهددت بتجميد أي مفاوضات تجارية معهما. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن شخصيًا أنه تحدث مع كلا الزعيمين، بينما حضر السفير الأمريكي في ماليزيا، إدغارد كاغان، اللقاء كممثل رفيع المستوى. في المقابل، أرسلت الصين مراقبين لحضور المحادثات، في مؤشر على التنافس الجيوسياسي الحاد بين واشنطن وبكين في جنوب شرق آسيا.

تصعيد دموي ومؤشرات هشاشة

رغم الاتفاق، لا تزال الشكوك تحيط بمدى صمود الهدنة. ففي الأيام الماضية، تبادلت بانكوك و بنوم بنه الاتهامات بشأن من بدأ القصف أولًا، واتهمت كمبوديا الجيش التايلاندي بقصف معابد تاريخية متنازع عليها منذ فجر الإثنين، باستخدام طائرات حربية وصواريخ. في المقابل، لم يصدر تعليق فوري من الخارجية التايلاندية.

مشهد النزوح والهلع

الضحايا لم يقتصروا على العسكريين فقط، فقد نزح مئات الآلاف من سكان القرى الحدودية، واختبأ الآلاف في معابد وخنادق لحماية أنفسهم من القصف المتبادل. في محافظة سورين التايلاندية، أفاد مسؤول محلي بأن القذائف انهالت بكثافة غير مسبوقة. وفي أودار مينشي الكمبودية، اختبأ المزارعون في خنادق قرب منازلهم، متشبثين بأمل وقف القتال، رغم شحّ الغذاء وتردي الأوضاع.

نقطة تحول دبلوماسية

الهدنة، رغم هشاشتها، تُعد اختراقًا مهمًا في ظل التصعيد الأخير، وهي تفتح الباب أمام محادثات أوسع، ربما تشمل الترسيم النهائي للحدود المتنازع عليها. مع ذلك، فإن سابقة “الاتهامات المتبادلة” التي أفشلت هدنة أولى مطلع الأسبوع الماضي، تضع الاتفاق الحالي في خانة “الاختبار المؤقت”.

توازنات القوى وتناقض التحالفات

من المثير أن كلا البلدين يحتفظ بعلاقات استراتيجية مع كل من واشنطن وبكين. تايلاند حليف عسكري رسمي للولايات المتحدة، بينما تستفيد كمبوديا من تمويل صيني ضخم، خاصة في بناء قاعدة بحرية تُعد من رموز النفوذ الصيني المتزايد. لذلك، يبدو أن المعركة السياسية في الكواليس لا تقل ضراوة عن تلك التي على الأرض.

تاريخ معقد وحدود مشتعلة

يعود الخلاف الحدودي بين البلدين إلى عقود مضت، ويرتبط بشكل رئيسي بمنطقة “بريا فيهير” التي تحتوي على معابد تعود للعصور الخميرية، وتعتبرها اليونسكو موقع تراث عالمي. ورغم صدور حكم دولي في 2013 يمنح السيادة لكمبوديا، فإن تايلاند ترفض تسليم بعض المناطق المحيطة، وهو ما فجّر جولات قتال متكررة بين 2008 و2011، قُتل فيها 34 شخصًا.

هل تنجح الدبلوماسية مجددًا؟

المؤشرات حتى اللحظة تعكس رغبة دولية قوية بوقف التصعيد، خصوصًا في ظل التهديد الأمريكي بفرض رسوم جمركية قاسية على الواردات من البلدين. إلا أن الهدنة الحالية تبدو أشبه بـ”تجميد للنار” أكثر منها اتفاق سلام دائم. ما لم تترافق الهدنة بخطوات سياسية لفض النزاع الحدودي جذريًا، فإن شبح الانفجار مجددًا يظل حاضرًا، وربما أقرب مما يظن كثيرون.

اقرأ أيضاً:

78 ساعة على تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ 2025

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى