دعوات متزايدة داخل إسرائيل لإنهاء الحرب على غزة: “الانتقام ليس سياسة”
أصوات إسرائيلية تتحدى الصمت: مطالبات متصاعدة بإنهاء الحرب على غزة

بينما كانت الإدانات الدولية تتعالى منذ شهور ضد الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة، بدأ صوت معارض جديد يتبلور، وهذه المرة من داخل إسرائيل نفسها. بعد صمت طويل، شرع عدد متزايد من الأكاديميين والناشطين والسياسيين والضباط المتقاعدين في التعبير علنًا عن رفضهم لما وصفوه بـ”الفظائع” التي تُرتكب باسمهم في القطاع. هذا التحول في المزاج الداخلي يأتي في وقت تزداد فيه التقارير عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين الفلسطينيين، وتفاقم الأزمة الإنسانية إلى حافة المجاعة، وسط اتهامات متصاعدة بارتكاب جرائم حرب.
في البداية، كانت الغالبية الساحقة من الإسرائيليين تعتبر الرد العسكري مبررًا بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي نفذته حماس، وأسفر عن مقتل نحو 1200 شخص وأسر المئات. إلا أن هذا الإجماع بدأ يتآكل شيئًا فشيئًا، مع شعور متنامٍ بأن الحكومة تواصل الحرب لأسباب سياسية، وليس أمنية أو استراتيجية. فمع تزايد عدد القتلى من الجنود، وتدهور سمعة إسرائيل عالميًا، صار كثير من الإسرائيليين يسألون: إلى أين نحن ذاهبون؟
أصوات من الهامش تنتقل إلى الساحة العامة: “الانتقام ليس استراتيجية”
في مشهد غير مألوف بالقرب من الحدود مع غزة، تجمع مئات الإسرائيليين في تقاطع “شعار هنيغف”، رافعين صور أطفال فلسطينيين قتلوا في الغارات، إلى جانب صور الرهائن الإسرائيليين. بين المحتجين كانت تقف تمار باروش، أستاذة علم الاجتماع في كلية “سابير”، التي تحدثت بصوت جهور قائلة: “نحن نقف على حافة الهاوية… الانتقام ليس سياسة، وكان بإمكاننا خوض حرب أكثر حكمة”. أصوات كتلك كانت تُعتبر قبل أشهر قليلة خارج تيار الرأي العام، لكن اليوم باتت تلقى صدى لدى فئات أوسع، لاسيما داخل الأوساط الأكاديمية والمثقفين وقطاعات يسارية من المجتمع.

ورغم أن الاستطلاعات ما زالت تُظهر أن أغلب الإسرائيليين غير معنيين بالأوضاع الإنسانية في غزة، إلا أن ثمة تحولًا طفيفًا في الخطاب العام، تجلى في تزايد أعداد من يرون ضرورة أخذ معاناة المدنيين في الاعتبار. ويُشير مراقبون إلى أن هذا التحول، ولو كان بطيئًا، قد يكون مؤشرًا على تصدع في الرواية الرسمية حول أهداف الحرب ونتائجها المحتملة.
أكاديميون وسياسيون يحذرون من الانزلاق إلى الهاوية
على مدار الشهور الأخيرة، وقع أكثر من 1300 أكاديمي إسرائيلي على رسالة مفتوحة تصف ما يحدث في غزة بـ”سلسلة فظيعة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بأيدينا”. وقد انضم إلى هؤلاء شخصيات بارزة، مثل رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، الذي وصف تجويع المدنيين بأنه “سياسة إجرامية”، والجنرال السابق يائير جولان الذي أثار عاصفة بتصريحه بأن “قتل الأطفال بات هواية حكومية”.
حتى في الجامعات، التي طالما تجنبت الانخراط المباشر في السجالات السياسية، بدأت تظهر وقفات صامتة، مثل تلك التي نُظمت في جامعة تل أبيب وجامعة القدس، حيث حمل الطلبة والأساتذة صور أطفال قتلى في غزة. في المقابل، تواصل الحكومة الإسرائيلية إنكار ارتكاب أي جرائم، فيما تصر قيادة الجيش على أن العمليات العسكرية تتوافق مع القانون الدولي. إلا أن توالي التحقيقات الدولية، بما فيها أوامر توقيف من المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق، تعكس نظرة دولية مغايرة.
المجتمع المدني يتحرك رغم التضييق: “كفى للذبح”
أطلقت أكثر من 50 منظمة سلام وعدالة اجتماعية مبادرة بعنوان “قمة شعبية من أجل السلام”، اجتمع فيها الآلاف في القدس، وبدأت بدقيقة صمت على أرواح جميع ضحايا الحرب – فلسطينيين وإسرائيليين، مدنيين وعسكريين. وتخلل القمة نقاشات مفتوحة حول مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين، والسبل الممكنة لوقف إراقة الدماء، إلى جانب رسائل موجهة إلى الحكومة للعودة إلى طاولة المفاوضات.
في الوقت ذاته، يقود نشطاء من منظمة “نقف معًا”، التي تجمع يهودًا وعربًا، احتجاجات أمام استوديوهات القنوات التلفزيونية، للمطالبة بتغطية أكثر صدقًا للمأساة الإنسانية في غزة. ويؤكد مايكل سفارد، المحامي المختص بحقوق الإنسان، أن مناقشة تجويع السكان أو ترحيلهم على شاشات التلفزة “أمر مقزز”، ويعكس تراجعًا خطيرًا في المعايير الأخلاقية. لكنه يرى أيضًا أن صوتًا مختلفًا بدأ يتسلل إلى الخطاب العام، داعيًا إلى كسر الصمت والوقوف في وجه “تطبيع الوحشية”.

اقرأ أيضاً حرب الأيام الـ12: الضربة الإسرائيلية التي أعادت البرنامج النووي الإيراني سنوات إلى الوراء
صراع الضمير: عندما يصبح الجيش موضع تساؤل
في مجتمع يقدّس الجيش ويعتبره ركيزة وجوده، يُعد توجيه الانتقادات لسلوك الجنود من المحرمات. لذلك، تحرص الحركات الاحتجاجية على توجيه انتقاداتها للقيادة السياسية وليس للجنود أنفسهم. يقول إيتامار أفنيري، عضو مجلس بلدية تل أبيب وأحد مؤسسي حركة “نقف معًا”: “نحن لا نهاجم الجيش… بل نرفض هذه الحرب التدميرية التي لا تُفضي إلى شيء سوى المزيد من الدماء”.

مئات من ضباط الاحتياط، خصوصًا من سلاح الجو، وقعوا على رسائل تطالب بوقف الحرب وإتمام صفقة تبادل أسرى، محذرين من أن استمرار القتال يُهدد حياة الجنود والرهائن معًا. ويُنظر إلى هذا النوع من التحركات على أنه تحول كبير في الموقف الشعبي، الذي كان يرفض حتى وقت قريب أي مساس بصورة الجيش. لكن مع سقوط مئات الجنود في غزة، وتدهور صورة إسرائيل عالميًا، بدأ كثير من المواطنين يُراجعون مواقفهم، في وقت يستمر فيه نتنياهو في إطالة أمد الحرب، لأهداف يعتبرها البعض شخصية وحزبية بحتة.