صحف وتقارير

الكوكاتو الأسود اللامع.. طائر هادئ يقترب من حافة الفقدان

في لوحات الفنان نيفيل دبليو كايلي من ثلاثينيات القرن الماضي، يظهر الكوكاتو الأسود اللامع جالسًا على غصن، بألوانه المميزة: بقع صفراء صغيرة حول عنق الأنثى، وذيول حمراء عند الذكور، وأجنحة تميل إلى الزرقة. لكن أكثر ما يلفت النظر هو طائر في المنتصف، مائل الرأس، يحدق مباشرة في المشاهد وكأنه يتساءل عما إذا كنا نستحق نظرته الفضولية.

نظرة مؤلمة من الماضي إلى الحاضر

اليوم، بعد ما يقارب قرنًا من تلك اللوحة، باتت هذه النظرة أكثر إيلامًا. الكوكاتو الأسود اللامع، أصغر وأكثر الطيور خجلًا بين أنواع الكوكاتو، يواجه خطر الانقراض بسبب قطع الأشجار والحرائق وتقلص موائله الطبيعية. وقد أدرجت الطيور على قوائم “المعرضة للخطر” في معظم الولايات الأسترالية، ما يجعل مستقبلها غامضًا.

صفات وطبيعة الكوكاتو الأسود اللامع

يتميّز هذا النوع من الكوكاتو بارتباطه العميق بالمكان؛ إذ يختار شجرة واحدة يعود إليها عامًا بعد عام لتكون منزله. غذاؤه شبه حصري على ثمار شجر الكازوارينا (She-oak)، التي يتناولها بهدوء ثم يُسقط بقاياها على الأرض. هذه الطيور ليست صاخبة كأقاربها البيضاء، بل تتسم بقدر من الرقة والسكينة جعلها دائمًا محط إعجاب علماء الطيور ومحبيها.

فرادة وسلوك مميز

ومن الطرائف العلمية أن معظم هذه الطيور “عُسر”، أي تلتقط الطعام وتستخدم منقارها عبر الجهة اليسرى من جسدها. دراسة تعود إلى عام 1993 رصدت زوجًا من الطيور، أحدهما أعسر والآخر أيمن، في مشهد يوحي بفرادة هذا الكائن.

مأساة بيئية ونداء للحفاظ

لكن خلف هذه الصفات الفريدة تكمن مأساة بيئية. منذ أربعينيات القرن الماضي، لاحظت مجلة Walkabout أن “خجل الطائر ربما كان سبب نجاته من يد الإنسان المدمرة”. غير أن هذه الحماية الطبيعية لم تعد كافية؛ إذ لم يعد هناك مكان يلوذ به بعيدًا عن التوسع العمراني والحرائق المتكررة.

خسارة للجمال والرحمة

الكاتبان والباحثون يحذرون من أن فقدان الكوكاتو الأسود اللامع لا يعني خسارة نوع بيولوجي فقط، بل خسارة “عالم كامل من الدهشة”. فالطائر يرمز إلى فضول هادئ تجاه الإنسان، فضول قد نكون قد خنّاه عبر سياسات استغلال الأرض وتجاهل التنوع البيولوجي. كما يقول الروائي ريتشارد فلاناغان: “كلما مات كائن، يقل مقدار الحب الذي يمكن أن يعرفه العالم”.

تساؤل حول المستقبل

وفي حالة هذا الطائر، فإن غيابه يمثل تقليصًا دائمًا في مخزون الجمال والرحمة على كوكبنا. اليوم، وبينما يطل الكوكاتو من لوحات الماضي بعينيه الفضوليتين، يبقى السؤال: هل سنحافظ على نظرته الطيبة، أم سنترك فضوله الهادئ يتحول إلى قصة أخرى عن خيانة الإنسان للطبيعة؟

اقرا ايضا

دودة اللولبية تعود إلى الواجهة: تهديد قديم يطرق أبواب أمريكا من جديد

نيرة احمد

نيرة أحمد صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى