عربي وعالمي

أولمرت يصف “المدينة الإنسانية” في غزة بمعسكر اعتقال ويدعو العالم للتحرك

أولمرت يصف "المدينة الإنسانية"

 

في مقابلة نادرة ومتفجرة، وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت اتهامات غير مسبوقة لحكومة بلاده، متهمًا إياها بالتخطيط لارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة والضفة الغربية، ومنددًا بمشروع إقامة ما يُعرف بـ”المدينة الإنسانية” في رفح، واصفًا إياها بأنها “معسكر اعتقال جماعي” يرقى إلى تطهير عرقي منظم.

معسكر لا إنسانية

رفض أولمرت بشدة الخطة التي طرحها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، والتي تقضي ببناء “مدينة إنسانية” على أنقاض مدينة رفح جنوب قطاع غزة، واصفًا المشروع بأنه خطوة نحو احتجاز جماعي للفلسطينيين. وقال: “إنه معسكر اعتقال. آسف، لكن لا يمكن وصفه بغير ذلك”.

وبحسب الخطة، سيُجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين على الانتقال إلى هذا المخيم، ولن يُسمح لهم بالخروج إلا في حال مغادرتهم البلاد إلى دول أخرى. وأكد أولمرت أن تنفيذ هذا المشروع سيكون بمنزلة تطهير عرقي: “إذا تم ترحيل الفلسطينيين إلى هذه المدينة، فذلك لا يمكن تفسيره إلا على أنه تطهير عرقي، وهذا سيكون فظيعًا”.

سجل متصاعد من الانتهاكات

ورغم تأكيده على أن الحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية لا ترقى حتى الآن إلى التطهير العرقي—لأن بعض الفلسطينيين عادوا إلى مناطق العمليات السابقة، بحسب قوله—إلا أن أولمرت يرى أن إسرائيل ارتكبت بالفعل جرائم حرب في غزة والضفة الغربية.

وأشار إلى أن السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تزداد تطرفًا، خصوصًا في ظل دعوات صريحة من بعض وزراء الحكومة لـ”تطهير” غزة، إلى جانب خطط لبناء مستوطنات إسرائيلية جديدة على أراضي القطاع.

المتطرفون في الحكومة: الخطر من الداخل

في تقييم صادم، وصف أولمرت وزراء الحكومة اليمينيين المتطرفين بأنهم “العدو من الداخل”، معتبرًا أنهم يمثلون تهديدًا أكبر على إسرائيل من أي خصم خارجي. وأشار إلى أنهم يقودون حملات عنف واستيطان في الضفة الغربية، بدعم ضمني أو مباشر من السلطات الأمنية، مشيرًا إلى أن الهجمات التي ينفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين تُرتكب “بدون أي عقاب تقريبًا”.

وسلط الضوء على الهجمات التي وقعت مؤخرًا وأسفرت عن مقتل فلسطينيين، أحدهم يحمل الجنسية الأمريكية، مؤكدًا أن ما يحدث من “ترهيب منظم” للفلسطينيين في القرى والبلدات هو جريمة حرب واضحة.

العالم لا يكره إسرائيل لأنها يهودية… بل لأنها تعتدي

 

أولمرت                                                                                         

أوضح أولمرت أن تنامي الغضب الدولي تجاه إسرائيل، خصوصًا في الولايات المتحدة، لا يمكن اختزاله في معاداة السامية، بل هو انعكاس لغضب مشروع من سياسات الاحتلال. وقال: “نحن نخدع أنفسنا حين نقول: هؤلاء مجرد معادين للسامية… ما يشاهدونه على الشاشات ومواقع التواصل هو ما يجعلهم يقولون: أنتم تجاوزتم كل الخطوط”.

وشدد على أن التغيير في الداخل الإسرائيلي لن يحدث إلا تحت ضغط خارجي، داعيًا المجتمع الدولي إلى مزيد من التدخل، خاصة في ظل غياب معارضة سياسية حقيقية داخل إسرائيل، ووسط تواطؤ إعلامي وصفه بـ”الصامت تجاه الجرائم بحق الفلسطينيين”.

نقد ذاتي نادر: من دعم الحرب إلى الاعتراف بالذنب

اعترف أولمرت بأنه دعم الهجوم الأولي على غزة بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، لكنه قال إن الحملة تحولت لاحقًا إلى “حرب غير مبررة”. وأضاف: “كنت أشعر بالخجل والانكسار عندما أدركت أن حرب الدفاع عن النفس تحولت إلى شيء آخر تمامًا”.

واعتبر أن ما يجري من جرائم ليس بالضرورة ناتجًا عن أوامر عسكرية مباشرة، بل عن تهاون مريع في حماية أرواح المدنيين، مضيفًا: “لم يصدر القادة أوامر واضحة، لكنهم غضّوا الطرف، وهذه مسؤوليتهم القانونية والأخلاقية”.

الأمل الأخير: مبادرة سعودية لوقف الحرب؟

رغم تشاؤمه العام، لم يلغِ أولمرت إمكانية التوصل إلى حل تاريخي، مشيرًا إلى أنه يعمل حاليًا مع الوزير الفلسطيني السابق ناصر القدوة على مبادرة لإحياء حل الدولتين، وربطها باتفاق تطبيع محتمل بين إسرائيل والسعودية. واعتبر أن هذه الصفقة قد تكون فرصة نادرة لوقف الحرب وإنهاء النزاع، لو أن نتنياهو “كان قادرًا أو راغبًا في تحقيق ذلك”.

أولمرت                                                                                         

ولم يُخفِ أولمرت استغرابه من الخطوة الرمزية التي اتخذها نتنياهو أخيرًا بترشيح دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، رغم صدور مذكرة توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية.

خاتمة: صرخة من داخل النظام

في ظل صمت رسمي وشعبي في إسرائيل، تأتي تصريحات أولمرت كصرخة من قلب النظام السياسي الإسرائيلي، تُحمِّل الدولة مسؤولية قانونية وأخلاقية عن معاناة ملايين الفلسطينيين، وتحذر من مسار كارثي لا يقود سوى إلى مزيد من العزلة والدمار. وفي حين يرى البعض أن أولمرت يحاول تنظيف سجله الشخصي، فإن تصريحاته قد تمثل أيضًا بداية تصدع في جدار الإجماع الإسرائيلي الذي طالما غلّف الاحتلال والتهجير بلغة الأمن والدفاع.

اقرأ ايضا

لن يكون هناك سلام بلا اعتراف: صرخة فلسطيني فقد أحباءه في غزة

منةالله خيري

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى