الاقتصاد

 كيف أصبحت أموال المعاشات رهينة لمغامرات استثمارية محفوفة بالمخاطر؟

المتقاعدون في مواجهة "سادة المال الجدد"

على مدى عقود، سعت العديد من الدول إلى تقليل المخاطر المرتبطة بصناديق التقاعد، من خلال إصلاحات قانونية ومحاسبية تهدف إلى ضمان الاستقرار المالي للمتقاعدين.

لكن في الآونة الأخيرة، بدأ هذا التوجه في التراجع، مع دخول صناديق التقاعد في استثمارات أكثر جرأة، تقودها شركات رأس المال الخاص التي باتت تسيطر على قرارات التمويل والاستثمار في هذا القطاع الحيوي.

حالة مثيرة للجدل: صندوق تقاعد إيطالي يضع 67% من محفظته في سهم واحد

من أبرز الأمثلة التي أثارت الجدل مؤخرًا، ما تم الكشف عنه بشأن صندوق التقاعد الخاص بمندوبي المبيعات في إيطاليا “إيناساركو”، والذي خصص 67% من محفظته للأسهم الأوروبية للاستثمار في سهم واحد فقط، هو “ميديو بانكا”، أحد الأطراف الفاعلة في صراع النفوذ داخل القطاع المصرفي الإيطالي.

هذا التوجه فُسر من قبل كثيرين بأنه انحراف عن الغرض الأساسي لصناديق التقاعد، والمتمثل في تأمين دخل ثابت ومستقر للمتقاعدين، وليس المضاربة في معارك سياسية أو مالية مشحونة.

رأس المال الخاص يزحف نحو صناديق التقاعد

في الوقت نفسه، تتزايد دعوات المسؤولين في بريطانيا والولايات المتحدة لتوسيع استثمارات صناديق التقاعد في أدوات رأس المال الخاص، مثل الأسهم غير المدرجة والديون الخاصة. وعلى سبيل المثال، أبرمت شركة “ليجال آند جنرال” البريطانية اتفاقًا مع مجموعة “بلاكستون” لتوجيه ما يصل إلى 20 مليار دولار من أموال المعاشات إلى استثمارات في أدوات ائتمانية خاصة.

كما قامت شركة “أثورا”، المدعومة من شركة “أبولو” الأمريكية، بالاستحواذ على شركة “Pensions Insurance Corporation” في بريطانيا، مما يعكس نفوذًا متناميًا لشركات الاستثمار الخاصة في مجال إدارة التقاعد.

تضارب المصالح ومخاطر التقييم

رغم ما يتم الترويج له من أن أدوات رأس المال الخاص توفر عوائد جيدة على المدى الطويل وتتوافق مع طبيعة التزامات صناديق التقاعد، إلا أن هناك العديد من التحذيرات بشأن نقص الشفافية وصعوبة تقييم هذه الاستثمارات، إضافة إلى تضارب المصالح داخل المؤسسات التي تديرها.

وقد أصدرت هيئة الرقابة المالية البريطانية تقريرًا في مارس الماضي يحذر من ممارسات تقييم غير دقيقة في هذا القطاع، داعية إلى تحسين الحوكمة ومراقبة تضارب المصالح.

الدرس من الأزمة المالية العالمية لا يزال قائمًا

قبل الأزمة المالية العالمية في عام 2008، كان يُنظر إلى كبار المصرفيين باعتبارهم “سادة الكون”، لكن تبين لاحقًا أنهم في كثير من الأحيان يتخذون قرارات تصب في مصلحتهم أولًا. واليوم، ومع انتقال النخبة المالية إلى عالم رأس المال الخاص، يواجه المتقاعدون خطر أن تتحول أموالهم إلى أدوات في صفقات استثمارية محفوفة بالمخاطر دون وجود رقابة كافية.

خلاصة واستنتاجات

ما يجري اليوم يشير إلى تحول عميق في فلسفة إدارة أموال التقاعد. ومع هذا التحول، تبرز الحاجة إلى:

فرض رقابة صارمة على استثمارات صناديق المعاشات في أدوات رأس المال الخاص.

تعزيز الشفافية في تقييم الأصول غير المدرجة.

ضمان أن الأولوية تظل لتحقيق الأمان المالي للمتقاعدين، وليس تحقيق أعلى عائد ممكن بأي ثمن.

الرهان على أدوات استثمارية عالية العائد يجب ألا يكون على حساب استقرار مستقبل ملايين من كبار السن الذين يعتمدون على هذه الصناديق كمصدر وحيد أو رئيسي للدخل بعد التقاعد

أقرا أيضا

مسئولو جهاز مدينة السويس الجديدة يستقبلون مستثمري الحي الصناعي

 

نوران الرجال

نوران الرجال باحثة اقتصادية وكاتبة صحفية متخصصة في شؤون النقل البحري والاقتصاد البحري، وتشغل عضوية لجنة النقل البحري بالجمعية العمومية العلمية للنقل. كما تتولى منصب المدير العام لمركز العربي للأبحاث البحرية والاستراتيجية، حيث تسهم في صياغة الرؤى وتقديم الدراسات الداعمة لتطوير قطاع النقل البحري في المنطقة العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى