ما لا يقوله ترامب عن التعريفات الجمركية: كلمات تصطدم بالواقع الاقتصادي
ترامب والتعريفات الجمركية: حقيقة التأثير على الاقتصاد الأمريكي

بينما لا يتوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الحديث عن نجاح سياساته التجارية وفعالية التعريفات الجمركية التي فرضها على عشرات الدول، إلا أن هناك جانبًا مسكوتًا عنه في خطابه: التأثير الحقيقي لتلك الرسوم على الاقتصاد الأمريكي والمستهلكين العاديين. فالرئيس الذي يفاخر بقدراته في عقد الصفقات وبنموذج “أمريكا أولًا”، يتجنب الإقرار بأن كل ضريبة تجارية تُفرض على السلع المستوردة تعني تكاليف إضافية يتحملها الشعب الأمريكي، لا العدو التجاري المفترض.
الفجوة بين الأقوال والأفعال: متى تهم التصريحات؟
لطالما برع دونالد ترامب في صياغة الروايات الإعلامية التي تخدم أهدافه السياسية، حتى وإن كانت تتناقض مع الواقع. فقبل الانتخابات، وعد بإنهاء التضخم “من اليوم الأول”، ثم ما لبث أن أعلن عن تعريفات جمركية ضخمة، سرعان ما علّقها بعد أسبوع واحد، في خطوة أربكت الشركات والمستثمرين. وحين وعد بإحلال السلام في أوكرانيا فور توليه المنصب، عاد ليقول لاحقًا إن تصريحه “كان على سبيل المزاح”. هذه الازدواجية في التصريحات ليست مجرد زلات لسان، بل استراتيجية اتصالية مدروسة تخدم سرديته السياسية، لكنها تضعف الثقة في مصداقية السياسات الاقتصادية طويلة الأجل.
الأثر الخفي للتعريفات: من يدفع الثمن فعلًا؟
يحب ترامب أن يتحدث عن “المليارات” التي تدخل إلى خزينة الدولة بفضل التعريفات، إلا أنه يتجاهل عمدًا أن تلك الأموال ليست هدية من الخارج، بل هي ضرائب غير مباشرة يدفعها المواطن الأمريكي. وفقًا لتحليل أجرته “The Budget Lab” في جامعة ييل، فإن متوسط التأثير السنوي القصير الأجل لتعريفات ترامب الجديدة يعادل خسارة دخل بقيمة 2400 دولار لكل أسرة أمريكية. وهذا التأثير لا يُذكر في خطابات الرئيس، الذي يفضّل الحديث عن “إعادة بعث الصناعة الأمريكية” بدلًا من الاعتراف بأن تكلفة الاستيراد المتزايدة ستنعكس حتمًا على أسعار المواد الاستهلاكية في الأسواق المحلية.
اللغة التصادمية والحقائق المغيّبة
في مايو الماضي، وفي لحظة نادرة من الاعتراف بتأثير التعريفات على الأسعار، ذهب ترامب إلى وصف ساخر، قائلاً إن الأطفال الأمريكيين قد “يضطرون للقبول بدمية أو اثنتين بدلًا من ثلاثين دمية”، في إشارة إلى ارتفاع تكاليف الألعاب المستوردة. مثل هذا التصريح يكشف النظرة الاختزالية التي يتعامل بها مع قضايا اقتصادية عميقة. فالمشكلة ليست في عدد الدمى، بل في مدى قدرة المواطنين على توفير احتياجاتهم الأساسية، في ظل تضخم مستمر وتضييق في خيارات الاستهلاك.
قرارات مرتجلة تزعزع ثقة الأسواق
في نهاية يوليو، أعلن ترامب أن الأول من أغسطس سيكون موعدًا نهائيًا لا رجعة فيه لبدء فرض تعريفات جديدة على البرازيل. لكن بعد أقل من 24 ساعة، وقّع مرسومًا بتأجيل تنفيذها حتى 8 أغسطس. هذه الخطوات المفاجئة، المليئة بالتناقض، تصعب على الشركات التخطيط وتزيد من حالة عدم اليقين التجاري. التجار، لا سيما صغار المستثمرين، لا يملكون رفاهية مجاراة السياسات المتقلبة، ما يعرّض سلاسل التوريد لضغوط إضافية، ويعكس فجوة كبيرة بين الشعارات والواقع العملي.
مؤشرات اقتصادية مقلقة وقرارات مثيرة للجدل
أحدث التقارير عن سوق العمل أظهرت تباطؤًا في معدلات التوظيف، وهو ما قوبل برد فعل عنيف من الرئيس، الذي سارع إلى إقالة مفوضة مكتب إحصاءات العمل، متهمًا إياها بتلفيق الأرقام دون تقديم أي دليل. هذه الخطوة أثارت جدلًا واسعًا حول استقلالية المؤسسات الرسمية ودقة المؤشرات الاقتصادية، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات حول قدرة الإدارة على التعامل مع التحديات الاقتصادية المتصاعدة بعيدًا عن التسييس والتشكيك المستمر في الحقائق.
الواقع أقوى من الخطاب
في الوقت الذي تروّج فيه الإدارة الأمريكية لفوائد “النهج الحمائي” والتعريفات المرتفعة، يواجه المواطنون الأمريكيون موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، خصوصًا في المواد الغذائية والسلع الأساسية. وبدلًا من الاعتراف بحجم المشكلة، يستعد البيت الأبيض لطرح مساعدات مالية يُحتمل تسويقها كـ”ثمرة نجاح السياسات التجارية”، في حين أنها في جوهرها محاولة لتسكين الألم الذي سبّبته تلك السياسات نفسها. وفي النهاية، فإن الحقيقة التي يتجاهلها الرئيس هي أن الكلمات لا تسد رمق العائلات، ولا تُعفي الشركات الصغيرة من سيف الإفلاس.