رسوم ترامب الجديدة تُشعل حربًا تجارية عالمية وتُنهي النظام التجاري القديم

في تحرك يُعد من أجرأ خطواته الاقتصادية، أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب عند منتصف ليل الخميس حزمة رسوم جمركية جديدة وصفت بأنها الأوسع في تاريخ البلاد منذ قرن، واضعًا حدًا لعقود من النظام التجاري العالمي القائم على الانفتاح المتبادل، ودافعًا بالعالم نحو حقبة من التوترات التجارية المتصاعدة.
تصعيد شامل رغم الضغوط الدولية
دخلت الرسوم الجديدة حيز التنفيذ بعد سبعة أيام فقط من إعلانها، متجاهلةً محاولات حثيثة من حكومات أجنبية لتجنب الانضمام إلى القائمة السوداء الاقتصادية الأميركية. من بين أبرز هذه المحاولات الفاشلة كانت زيارة رئيسة سويسرا، كارين كيلر-سوتر، إلى واشنطن، حيث غادرت العاصمة الأميركية خالية الوفاض، بينما فرضت على صادرات بلادها، مثل الأدوية والساعات والشوكولاتة، رسومًا وصلت إلى 39%.
تايوان، أحد أهم مصدري أشباه الموصلات عالميًا، فشلت أيضًا في تخفيض الرسوم المفروضة عليها، ما يُشير إلى أن حملة ترامب لا تستثني حتى الحلفاء الاستراتيجيين.
نظام “المعاملة بالمثل”: نهاية النظام القديم
يعتمد النظام الجديد على فرض “رسوم متبادلة” على معظم الدول، بما في ذلك تلك التي أبرمت اتفاقيات تجارة جديدة مع واشنطن مثل الاتحاد الأوروبي واليابان، في حين ينتهي الهدوء النسبي في العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين في 12 أغسطس. أما كندا، شريكة أميركا في اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، فقد فُرضت عليها رسوم مرتفعة منذ الآن، في حين حصلت المكسيك على مهلة تسعين يومًا قبل تطبيق رسوم جديدة.
خبير التجارة في معهد بيترسون، تشاد باون، وصف هذا التحول بأنه “جنوني حتى بالنسبة لمهووسي التجارة”، مشيرًا إلى التعقيد الكبير في تطبيق النظام الجديد.
رسوم انتقائية وسلاح جيوسياسي
ترامب أشار إلى أن رسومًا إضافية قادمة في الطريق، خاصة على قطاعات حساسة مثل الإلكترونيات والأدوية، مهددًا أيضًا بفرض رسوم بنسبة 100% على واردات الرقائق الإلكترونية، مع ترك المجال مفتوحًا أمام “استثناءات” للشركات التي تستثمر داخل الولايات المتحدة.
في مؤشر على توظيف الرسوم لأهداف سياسية، فرض ترامب هذا الأسبوع رسومًا جديدة على الهند ردًا على استمرارها في شراء النفط الروسي، ما يُظهر كيف باتت الحرب التجارية أداة للضغط الجيوسياسي.
سويسرا تدفع الثمن رغم مساعي التهدئة
سويسرا، التي كانت تأمل في رسوم لا تتجاوز 10%، تلقت صدمة بعد رفض فريق ترامب التجاري تقديم أي تخفيضات. الرئيسة كيلر-سوتر اكتفت بلقاء وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، دون أن تتمكن من الاجتماع بمسؤولي التجارة الرئيسيين مثل جيمسون غرير أو وزير التجارة هوارد لوتنيك.
وكانت سويسرا تأمل في استخدام علاقاتها المتميزة ومكانتها كدولة محايدة للتهرب من الرسوم القصوى، إلا أن ترامب صمم على فرض العقوبة التجارية الكاملة، ما يهدد قطاعاتها التصديرية الرئيسية.
نظام جديد على أنقاض القديم
تأتي هذه الرسوم بعد نسخة أولى أطلقها ترامب في أبريل الماضي ثم جمدها مؤقتًا. ومع ذلك، فإن النظام الحالي، رغم أن بعض رسومه أقل، يدفع بالتعرفة الجمركية الفعلية للولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها منذ عقود.
الرئيس الأميركي يتفاخر بأن الرسوم تُدر على بلاده “تريليونات من الدولارات”، مشيرًا إلى أن العائدات الجمركية في يوليو 2025 وحده تجاوزت 30 مليار دولار، مقارنة بمتوسط 8 مليارات شهريًا في عام 2024، وفقًا لتقديرات مؤسسة Pantheon Macroeconomics.
ثغرات مؤقتة في التنفيذ
رغم أن النظام دخل حيز التنفيذ رسميًا عند منتصف الليل، فإن البضائع التي كانت قد شُحنت قبل هذا الموعد ويمكن أن تصل إلى الولايات المتحدة قبل 5 أكتوبر قد تُعفى مؤقتًا من الرسوم الجديدة. لكن البضائع القادمة جوًا أو عبر الطرق بعد 7 أغسطس لن تستفيد من هذا الاستثناء.
المشهد العالمي: ترقب وغموض
الدول المتضررة تترقب الآن كيفية تطبيق النظام الجديد ومدى مرونة إدارة ترامب في عقد اتفاقيات تخفيف مستقبلية. وفي الوقت ذاته، يشعر كثيرون بأنهم دخلوا رسميًا “حقبة تجارية جديدة” تقودها القوة والمواجهة بدلًا من التعاون والقواعد.
تحوّل ترامب من استخدام التجارة كأداة للنمو إلى استخدامها كسلاح جيوسياسي واقتصادي يُعيد صياغة المشهد العالمي، في خطوة لا تبدو مؤقتة، بل قد تؤسس لواقع جديد عنوانه: “أميركا أولًا… والبقية لاحقًا”.
اقرأ أيضاً:
المستشار محمود فوزي: تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر لا تعنى الطرد